كنا نبحث بجدية ودقة عمّن تميز بين أقرانه بإتقانه حرفة مهمة أو نبوغه في تخصص نادر، وذلك من أجل الإلمام بأسرار صنعته أو النهل من معارفه النافعة، نتابع أخبارهم الشحيحة والمتقطعة دوما بابتهاج ويشدنا إليهم تناول الألسن لمسيرة كفاحهم المشرفة وجميع الحضور منصتون بشغف لمعرفة قصص حول إلهام مبدعينا، ونحن بحب نغبطهم ونرغب بشدة بالاقتداء بمآثرهم الحميدة ونمني النفس كثيرا بالوصول يوما ما لمنزلتهم الرفيعة. هم بحق يستحقون منا بالغ الإجلال وجل الإطراء وذلك نظير ما بذلوه بإخلاص وتفان في حياتهم المهنية من أعمال جليلة خالدة وجهود سباقه عظيمة أسهمت جميعها في نهضة مجتمعنا وتقدمه للأمام. فدارت عجلة الزمن ودرنا معها، ومع الثورة الرقمية المفاجئة والانفتاح السريع على شبكة وسائل التواصل الاجتماعي وحضور الحرية الهشة المزيفة الغير مألوفة بالنسبة لنا من قبل التي يصاحبها كثيرا تجاوز المحاذير الدينية والآداب العامة وأسس مجتمعنا، تبدلت أحوالنا وتغيرت أيضا مفاهيمنا وانحرفت معهما بشدة بوصلة اهتماماتنا، وأضحى الأغلب منا يتهافتون للظهور الأول، ويتسابقون بتهور للصدارة الإعلامية البراقة، وبكل قوة يسعون نحو مركز هذا الوهج الخداع راجين لفت الانتباه وجذب الأنظار بأي طريقة ممكنه. فغص الفضاء الرقمي الشاسع بالمؤهل وغير المؤهل بالثمين والغثيث، كل واحد منهم يدلي بدلوه ويعرض للجموع بضاعته، فالأمر هين سهل ولا يحتاج منا إلا ضغطة زر واحدة للانتشار وانتظار النتائج والأصداء. وللاستفادة القصوى من تداعيات المرحلة التقنية الجديدة التي لا تحددها أطر واضحة للمسموح أو الممنوع أو قوانين محكمه تردع من يتعدى الخطوط الحمراء أو الأعراف، اتجه الكل لبث ما يروه في نظرهم مناسب ويساعدهم أيضا في رفع أعداد المتابعين. ولاحتدام المنافسة أسرف البعض في نشر سفه وتفاهاته وعرض أدق تفاصيل حياته الشخصية على الملأ بلا ذرة خجل وقد أحاط نفسه مسبقا بهالة ضخمة مصطنعة ليضاعف من حظوته لدى شركات الدعاية والإعلان لأجل زيادة مكاسبه. فأين مكامن الخلل؟ وأين ذهبت مبادئ وقيم البعض؟ وهل التشريعات الجديدة سوف تكبح جماح المنفلتين منهم؟.