استضافت اثنينية الذييب الشيخ سلمان بن حذيفة الطوالة في واحدة من أمسياتها الأسبوعية في الرياض. حيث اجتمع الحضور في منزل الشيخ حمود الذييب، مؤسس الاثنينية، للاستماع للمحاضرة الشيقة التي ألقاها الشيخ سلمان الطوالة والتي تناولت تعامل الشريعة الإسلامية مع الإرث والتركات وكيف جاءت الآيات القرآنية متدرجة في التشريع التوريث إلى أن أرست أحكام وضوابط مسألة التوريث لكي تصبح نظاماً دائماً يحكم العلاقات المالية بين الورثة باختلاف قرابتهم وأنواعهم إلى قام الساعة. استهل الشيخ الطوالة حديثه بالإشارة إلى أن القرآن الكريم تناول مسألة التركات بأسلوب لم يتناول به أمراً آخر من أمور الشريعة. حيث بين فضيلته أن الصلاة على سبيل المثال جاءت بأمر في قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة"، وكذلك الحال في الزكاة حيث قال تعالى: "وآتوا الزكاة". ولكن الله تعالى لما بدأ في تشريع الميراث جاء أسلوباً أخف من أسلوب الأمر فكانت أولى الآيات التي نزلت في الميراث قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم". وأشار الطوالة أن آيات المواريث لم تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم طوال العشر سنوات التي قضاها في مكة، اللهم في بعض آيات تشير إلى حب الناس للأموال مثل قوله تعالى: "وتحبون المال حباً جماً". وبعد أن استقر المسلمون في المدينة واستقر الإيمان في قلوبهم، نزلت الآيات محافظة على نفس فكرة التدرج في التشريع. ذلك أن التوريث كان يحكمه قواعد مختلفة عما جاءت به الشريعة وأهم الاختلافات عدم توريث النساء مثلاً. وعلق الشيخ الطوالة على هذه الاختلافات بقوله: "لم تكن فكرة التوريث مقبولة في البداية حتى عند الصحابة أنفسهم. وذلك لأن الأحكام لم تكن قد اكتملت بشكلها النهائي لذا وجب التدريج". واستطرد قائلاً: "هناك دلائل جاءت في آيات المواريث تفيد التدرج. حيث بدأ الله بكلمة للرجال إشارة إلى أن الشريعة لن تحرمهم من نصيبهم، ولكن مع حفظ نصيب النساء". وبينما كانت الآية: " {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7]. توطئة لفكرة توريث النساء، فإن آية أخرى جاءت لوضع قانون آخر وهو أن هذا الميراث من حق النساء في جميع الأحوال، بينما كان بعض العرب يورثون النساء في حال كانت التركة كبيرة فقط. لذلك نزل قوله تعالى: "{مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] وأوضح الشيخ أن آيات المواريث بدأت في النزول بعد أن مهدت عقول المسلمين وهيأتهم لقبول أوامر الله تعالى حيث جاءت في ثلاث مراحل: الآية الأولى: التي مطلعها: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] وكانت تتكلم عن توريث الأولاد، ومن ثم تكلمت عن الوالدين الأم والأب وكيفية تطبيق ذلك. أما الآية الثانية، والتي أتت بعدها مباشرة، فتكلمت عن توريث الزوج لزوجته أو العكس، ثم بعد ذلك تطرقت للإخوة لأم. وجاءت الآية الثالثة والأخيرة لتتحدث عن الإخوة، سواءً الإخوة الأشقاء أو الإخوة من الأب، وهي ما يعرف بمسألة الكلالة. وأكد الله عز وجل في نهاية الآيات وبعدما ذكر الأحكام تفصيلاً على أن هذه الأوامر {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11]، أي ليس فيها جدال ولا مجال للاجتهاد فيها. ثم قال في ختام الآية: {من بعد وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12]. وغير مضار هنا تعني من دون ضرر يمكن أن يقع على أحد ومن ذلك الوصية. وشرح الشيخ سلمان هذه الجزئية بقوله: "يحرم على الإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث: لئلا يضر بالورثة. فكثيرًا ما تأتي آيات بدفع الضرر بالورثة أو بأحدهم. وهو أمر تعمل به المحاكم حتى يومنا هذا وفقاً لشريعة الله سبحانه وتعالى". في نهاية حديثه قدم الشيخ سلمان الطوالة الشكر للحضور والمضيف على هذه الفرصة القيمة للحديث عن واحدة من شرائع الله للمسلمين، مؤكداً على أن كثيراً من الأنظمة المالية الآخرى في العالم لم تضمن للأفراد حقوقهم في المواريث مثلماً فعلت الشريعة الإسلامية. وهي ما إن طبقت بشكل سليم فإنها تضمن لكل أفراد المجتمع حقوقهم وتحميهم من الانجراف وراء الأهواء والمصالح الشخصية.