علامة هذه «الصبية التسعينية» (وُلدت في 15 ديسمبر 1930 في قرية توام غراني، غربيّ إِيرلندا) أَنها تُدير كتفَها للعمر، ووجهَها للمستقبل، وقلمَها للحياة، ولا تتوقَّف عن كتابة. كأَنما الكتابة سُرَّتُها مع الخلود، سرُّها مع العافية الأَدبية، ومسارَرَتُها مع الكلمات. من هنا تأْثيرُ كتاباتها على قرَّائها عبر 21 رواية حتى اليوم، ومؤَلَّفات أُخرى في الشعر والقصة القصيرة والمسرح وقصص الأَطفال. الطفولة البائسة باكرًا بدأَت شهرتُها: منذ باكورة مؤَلَّفاتها. حين صدر الجزءُ الأَول من ثلاثيتها الروائية «بنات البَلَد» (1960) سبَّب صدمة في مجتمعها فتمَّ إِحراقُ الكتاب وسحبُه من التداوُل. سوى أَنها لم ترتدع: أَصدرَت الجزء الثاني «الفتاة المستوحدة» (1962) وأَتْبَعَتْه بالثالث «صبايا في جنَّة الزواج» (1964). سببُ تلك النقمة عليها أَنها جَرُؤَت: نسجَت قصص صبايا في مطالع تجربتهنَّ العاطفية، كما كانت هي عاشتها في سنوات مراهقتها. فهي ذاتُ طفولة بائسة قاسية بين أُمٍّ سافرت إِلى نيويورك تعمل خادمةً في البيوت، ثم عادت إِلى إيرلندا تتزوج فلَّاحًا فظًّا هدَّدها غير مرة بالطلاق والتخلِّي عن الأَولاد. لذلك، وبدون رضى والدَيها، تزوَّجَت سنة 1952 الكاتب الإِيرلندي التشيكيّ إِرنست غيبييه وانتقلت معه إِلى لندن لتَلِدَ منه ولدَين وتنفصل عنه سنة 1964 منصرفةً إِلى الكتابة. الحظر مدخل الشهرة كان منْعُ كتاباتها الأُولى حافزًا لانتشار مؤَلفاتها أَوسع، سرًّا أَحيانًا إِنما أَوسع، حتى لهي اليوم علامة ساطعة في الأَدب الإِيرلندي المعاصر، لأَنها كسرَت الممنوعات الاجتماعي والمحرَّمات العاطفية في الأَدب. ومذذاك لا تنفكُّ تكتب في حميَّة العافية، وهي اليوم في «ربيعها» الثاني والتسعين. قبل ثلاثة أَعوام (2019) سجلت روايتُها «صبيّة» درجة «أَكثر الكتُب مبيعًا»، وهي قصة تلميذات نيجيريات خطفهنَّ جنود «بوكو حرام» سنة 2014 من مدرستهنَّ الرسمية وعذَّبوهنّ. وهي نالت عليها جائزة «مجموعة كيري الإِيرلندية للقصة والرواية» لسنة 2020. قبل عامين انتشر كتابُها البيوغرافي الجديد «جُوْيْس ونورا: سيرةُ زواج سعيد» عن علاقة الحب الكبير بين مواطنها الإِيرلندي الكاتب جيمس جُوْيْس (1882-1941) وحبيبته وزوجته نورا بارناكْلْ (1884-1951). التكريم قبل فترة نظَّمت لها «الحلقةُ الأَدبية الإِيرلندية» (في العاصمة دَبْلِن) تكريمًا إِلكترونيًّا (عن بُعد) وهي في بيتها اللندُني، فبدا الخفَر على وجهها البريء وهي تقول ببساطة عفويّة: «كثيرٌ عليَّ هذا التكريم. سأَحمل ذكراه حتى آخر يوم في حياتي». وخلال مقابلتها التلڤزيونية مع «مؤَسسة الراديو والتلڤزيون الإِيرلندية» العريقة (تأَسست سنة 1926) قالت بالبساطة ذاتها: «الكتابة لازمَت تواطُؤي السرّي طوال حياتي لأَنها كانت محرَّمة عليَّ في بيئتي العائلية والوطنية. وها أَنا أَنالُ عليها اليوم هذا التكريم العالي يعوّض لي عن كل ما منه حُرمتُ في حياتي». ذاك التكريم جاء تتويج تنويهاتٍ وأَوسمة سابقة نالتْها إِدنا، منها: وسام «القلم الإِيرلندي» على مجموع مؤَلَّفاتها، المدالية الوطنية الأَميركية الذهبية للفنون، جائزة فرانك أُوكُّنور العالمية للقصة القصيرة (كاتب إِيرلندي: 1903-1966، له 150 كتابًا، أُنشئَت الجائزة سنة 2005 لتخليده)، جائزة نابوكوڤ للأَدب العالمي (ڤلاديمير نابوكوڤ: 1899-1977، كاتب روسي أُنشئت الجائزة على اسمه سنة 2000)، وسواها. تلك اللحظة الإِبداعية رئيسة «الحلقة الأَدبية الإيرلندية» قالت في كلمتها: «»قرارُنا تكريمك هو تقديرُنا كتاباتِكِ الغزيرةَ المتنوعةَ، أَغنَت الأَدب الإِيرلنديَّ في أَكثر من حقلٍ إِبداعيٍّ، تلتزمين فيها مبدأَ الحرية المسؤُولة في حياتك،كما في كتاباتٍ لكِ قوية التأْثير أَلْهمَت نساءً كثيراتٍ من بلادنا ومن قارئاتِكِ في كل مكان، ووجَّهَتْهُنَّ صوب كسر القيود الاجتماعية المتزمتة (...) إِن بلادنا تغْنى بمسيرتكِ الأَدبية المتواصلة طيلة ستة عقود، وأَنتِ الكاتبة الإِيرلندية التي باتت اليوم جوهرةً أَدبية عالمية». وأَجابت إِدنا: «لا أَعرف كيف صرتُ كاتبة. أَعرف أَنني تزوجتُ الأَدب وبات هو كلَّ عالمي فتكرَّسْتُ له. في كلٍّ منّا كلماتٌ مجهولةٌ تنتظر مَن يَلِدُها. كنتُ أَنا أَنتظرها فَوُلِدَتْ على يَدَيّ». بعفوية قالتْها إِدنا، بدون تصنُّع ولا تكلُّف. قالتها كما أَحسَّت بها، وكما وَلَدتْها. هكذا قدَرُ الكاتب، شاعرًا كان أَو ناثرًا: لا يعرف كيف ولا متى. قدَرُ الكتابة نبْعٌ في باطن الحياة، لا يعرف أَحدٌ مسْبَقًا كيف ومتى ينبع ولا من أَين. إِنْ هي إِلَّا لحظة من القدَر تَسِمُ الولادة، وتختار لها موهبةً تكون مهيَّأَةً لها في ضمير الحياة. هنيئة لكل كاتب تلك اللحظة. تحمل كتابَها الأَوَّل الذي أَحرقوه عند صدوره