عالمنا في تغير مستمر، وصناعة الاتصال المؤسسي تواكب هذا التغير يوماً بعد يوم، فهذه طبيعة الأشياء، من منظور شخصي، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، ارتبطت بشكل مباشر بصناعة الاتصال في المملكة العربية السعودية، وتعاملت على نحو وثيق مع التطورات السريعة التي مرت بها، وانتقالها من البدايات المتواضعة، مروراً بالمراحل التجريبية التي تخللتها نجاحات وإخفاقات، ووصولاً إلى التقدير العالمي وبناء منظومة أصيلة وراسخة، لقد تحول الاتصال المؤسسي في المملكة من نهج يقوم على ردود الأفعال خلال سنواته الأولى، إلى صناعة قوية ومنظمة تقدم ما يتجاوز الخدمات الأساسية، وتستند على ستة عناصر أساسية هي القيمة، والتأثير، والطموح، والجرأة، والقيادة، والتميز. تعلمون أننا نشهد في المملكة تطورات مذهلة في الوقت الراهن، وقد تناولت في مقالي العام الماضي تأثير رؤية المملكة 2030 على صناعة الاتصال المؤسسي، وما حققته هذه الصناعة من نمو غير مسبوق يتمثل في تطوير معايير الاتصال، ومواءمة الأهداف، ووضع خارطة طريق للانطلاق نحو المستقبل. كان مقالي السابق قبل 12 شهرًا، ومنذ ذلك الحين شهدنا تقدماً مستمراً في العديد من المبادرات والمشاريع التنموية الرئيسة على مستوى المملكة، ومن ضمنها مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية، ومشروع تطوير منطقة عسير، ومشروع The RIG، ومشروع وسط جدة، والعديد من المبادرات الأخرى المهمة. وسواء كانت هذه البرامج والمشاريع والمبادرات جديدة أو قائمة بالفعل، فإنها برأيي بحاجة لمعيار جديد للاتصال المؤسسي يستند على ثلاثة مكونات أساسية أولها الاستشارات، لتحديد الإطار الاستراتيجي وتحديد المكانة والتوجه، وثانيها المحتوى الذي يتضمن صياغة القصة والسرد، وثالثها التدريب الإعلامي، لضمان بث الرسائل الصحيحة بطريقة واضحة ومباشرة ومؤثرة. وهذا النهج الاتصالي الثلاثي "ACT" يجمع ما بين الاستشارات والمحتوى والتدريب بفعالية عالية تلبي احتياجات السوق، وسيعتمد مستقبل أي ممارس للاتصال -سواء كان عميلاً متلقياً للخدمة، أو وكالة أو استشاريا مقدماً لها- على قدرته على اعتماد هذا النهج الشمال، وبالعودة إلى العناصر الأساسية الستة، سنجد أن القيمة والتأثير يأتيان على رأس القائمة من حيث الأهمية ضمن العناصر المكونة لنواة العصر الجديد للاتصال المؤسسي، وكذلك الطموح باعتباره عاملاً ملهماً للنجاح الذي يغذيه الشغف والإصرار. وإذا أبحرنا في الزمن عشر سنوات إلى الوراء، وقمنا بتقييم قطاع الاتصال المؤسسي في المملكة العربية السعودية في ذلك الحين، سنكتشف أن المصطلح "جرأة" لن يتبادر إلى أذهاننا على الفور، وذلك لأن الإطار النفسي للاتصال المؤسسي حينها لم يكن يتطلب "الجرأة"، وإنما كان بحاجة لاستمرار النشاط، أما اليوم، وفي ظل تقدم المملكة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، فإن نهجنا الاتصالي يجب أن يكون جريئاً، وفي ذات الوقت محسوباً بدقة تامة، وخالياً من العوائق، كما يتوجب أن يتميز بالبراعة والإتقان، وهذا ما نشهده اليوم عبر كافة المنصات. ولكن ماذا عن المستقبل؟ في الواقع، أرى مستقبل الاتصال المؤسسي إيجابياً للغاية، فأنا أتوقع أن يواصل القطاع دوره المحوري في مسيرة المملكة في السنوات المقبلة، وسيحدث ذلك بقيادة جيل جديد من رواد الاتصال يتشكل اليوم في القطاع الخاص بالمملكة، ويستهدف النهوض بصناعة تتسم بالديناميكية والحيوية، والقدرة على ابتكار حلول تسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. ما من شكٍ أن المعرفة وسيلة مهمة للتميز، وعامل تمكين رئيس لمسيرة التحول في المملكة، وهذا يتطلب دوراً فعالاً ومؤثراً وضرورياً للاتصال المؤسسي لمشاركة هذه المعرفة، وتحقيق الأهداف المرجوة. وعلينا أن نضع في حسباننا أن دور الاتصال المؤسسي لا يقتصر فقط على مشاركة قصة المملكة الملهمة مع العالم، وإنما يمتد كذلك إلى تسريع رحلة المملكة نحو آفاق المستقبل المشرق بمشيئة الله، في ظل قيادتنا الرشيدة. ختاماً، وفي حين نتوجه نحو هذا العصر الجديد، سيكون علينا العمل استناداً إلى النهج الاتصالي الثلاثي "ACT" الذي تحدثنا عنه، لنكون محفزاً ومساهماً رئيساً في المرحلة الثانية من مسيرة التنمية السعودية، لا سيما أننا نملك الوصفة المثالية للنجاح، والتي تتمثل في القيمة، والتأثير، والطموح، والجرأة، والقيادة، والتميز. *الرئيس التنفيذي لشركة تراكس