لم يعد الاقتصاد العالمي ممكنا التنبؤ به، ولم تعد دولة أو عدد من الدول تتحكم في توجهاته، ولم تعد المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ذات موثوقية لدى عدد كبير من دول العالم، كما أن العملة الأولى في العالم بدأت تفقد جُلّ قيمتها، كما لم يعد النُخبة ولا العامة مؤمنين بشعارات روجتها الدول العظمى، مثل التغير المناخي، والنظام التجاري متعدد الأطراف، وحقوق الملكية الفكرية، ولعلي أورد مثلا بسيطاً، فخلال زيارتي لأحد دول أوروبا خلال هذا الصيف، وجدت عددا من الباعة المتجولين يعرضون حقائب وسلعاً أخرى، مقلدة لماركات عالمية عياناً بياناً، أمام الجميع، دون خشيه أو خوف من مصادرتها، بينما تطالب هذه الدول المنتجة من دول العالم حفظ الملكية الفكرية وعلاماتها التجارية. إن هذه التغيرات والتموجات في السياسات الدولية والمفاهيم كانت - بلا شك - نتاج عدد من العوامل، فتطور التقنية وسهولة وسرعة وصول المعلومة، وغياب الوعي السياسي والحنكة لدى بعض الدول العظمى، وتعاظم الدور لدول العالم النامي، وارتفاع مستوى وعيه سياسياً واقتصادياً، أدى تغيير في قواعد اللعبة، وتوزيع الثروات في الكرة الأرضية سواء مياهها وأنهارها وممراتها البحرية، أو ثرواتها الطبيعة فوق الأرض وباطنها، كذلك قدراتها البشرية الوطنية. المملكة العربية السعودية، تُعد النموذج الأمثل، سياسياً واقتصادياً، فمن الناحية السياسية فقد أصبح العامل الاقتصادي هو المُحرك الرئيس للعلاقة مع أي دولة كانت، فعند تحقق المصالح وانسجامها، تُقام العلاقة وتُعزز، وإذا لم يكن ذلك، تم خفضها، دون إخلال بأي التزامات مع الطرف النظير، كما أن السعودية عملت وتعمل على الوفاء بالتزاماتها في جميع المنظمات الدولية، وحيث إن لكل مقام مقال، وبالمثال يتضح المقال، فما قام ويقوم به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- من حِراك دولي، لهو أكبر دليل، فسموه الكريم لم يبخل بالوقت والجهد -رغم انشغاله بالتنمية الداخلية- لتعزيز وبحث فُرص الشراكة مع جميع الدول، ساعياً للاستقرار الإقليمي والدولي، وعقد شراكات مُعتمدة على المصالح المتبادلة، كما أن سموه أكد في جميع المحافل الدولية ومنها مجموعة العشرين، على تضمان المملكة التام والكامل مع الالتزامات الدولية عديدة الأطراف، وأكد سموه على أهمية التزام العشرين الكبار -قبل مطالبة من هم دون ذلك- للوفاء بالالتزامات، مع مراعاة الفوارق بين الدول. وفي شأن أخر، فإن سياسية المملكة الداخلية اقتصادياً، أصبحت شمولية النظرة والتنفيذ، فتم تعزيز القطاعات التي وصلت مستوى كبير من النضج مثل صناعة البتروكيميائيات، وخصخصة أرامكو السعودية، والدفع بها إلى الأسواق الدولية، كذلك استكشاف الفرص الواعدة في قطاعات أخرى مثل التقنية والسياحة والتعدين، والعمل على دعم قطاعات مهمة للإنسان، ومنها الصناعات الدوائية والغذائية والمائية، كما أنها لم تُغفل أهمية العامل الديني ومكانة المملكة للعالم الإسلامي، فبدأت عملية تطوير إجراءات الحج والعمرة وتنظيمها، لتسهيل الطريق إلى الحرمين الشريفين لمن هم داخل المملكة وخارجها، أخيرا وليس آخراً، فقد أولى النموذج السعودي، اهتماما بالقدرات الوطنية وتطويرها وتمكينها من خلال تطوير منظومة التعليم وبرامجه التطويرية. إن ترياق الاقتصاد العالمي، هو النموذج السعودي، وعرابه سمو ولي العهد، وهو باختصار شمولية التنمية الداخلية، وإقامة العلاقات الدولية وفقاً للمصالح المشتركة، مع أهمية الوفاء بالالتزامات الدولية، احترام الاتفاقيات والمواثيق مُتعددة الأطراف، لعلي هنا أختم بتصرف لتشبيه أورده معالي غازي القصيبي رحمه الله "السعودية كوكب يتعامل مع كوكب الأرض". *متخصص في الأعمال الدولية والشراكات الاستراتيجية