كُتب الأدب والتراجم والبلدان لها مذاق خاص للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، «الرياض» تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف أ. د. ظافر بن غرمان العمري، رئيس الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي (سابقاً) حول مكتبته التي بها أكثر من ألفي عنوان، وعدد كبير من كُتب البلاغة والنقد والأدب، وعلوم اللغة، كذلك عدد كبير من كُتب التراث الإسلامي، والتاريخ، والحضارة، والجغرافيا، والموسوعات العلمية، وكُتب أخرى منوعة. * في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * عرفت الكتاب في المرحلة المتوسطة، وإن كنت في الابتدائية قد وجدت في نفسي ميولاً إليه حين كان والدي يزور مكتبة المؤيد بالطائف وكانت تجمع بين الكُتب والأدوات الدراسية، وكنت أصحبه هناك بين الحين والآخر فأجد انجذابا نحو قوائم الكُتب التي كانت تملأ أرفف المكتبة. هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * بدأ تأسيس مكتبتي في المرحلة الثانوية حين خصصت مكاناً لها في المنزل، وأكرمني الوالد - حفظه الله - بخزنة مناسبة جمعت فيها عدداً من الكُتب، وكان يشجعني، ويدعمني بكل ما يملك. وقد اقتنيت كُتباً في الأدب، إضافة إلى ما كان لدى والدي من كُتب دينية يسيرة، وكان ميولي الأدبي يجذبني نحو كُتب الأدب، مثل كتاب الأغاني، وكتاب بلوغ الأرب، فضلاً عن الدواوين الشِّعرية مثل ديوان عنترة الذي اقتنيته منذ زمن الصبا، وديوان امرئ القيس، وتغريبة بني هلال، وكتاب جواهر الأدب من أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتي، كان كل كتاب يدعوني لاقتناء كُتب أخرى فمن يقرأ جواهر الأدب يدعوه لاقتناء كُتب الأدب الأخرى فهو كتاب أشبه بموسوعة أدبية موجزة. وفي المرحلة الجامعية كنت كثير التردد على المكتبات فما أعلم مكتبة في المنطقة الغربية إلا زرتها واقتنيت منها كُتباً، بخلاف مكتبات الرياض، والمدينة المنورة، وأبها، والدمام، ولم أتردّد في ملاحقة معارض الكتاب، وأتذكر معرضاً أقامه نادي جدة الأدبي قبل ثلاثة عقود إذ كنت حديث الدراسة بالجامعة، حيث يندر أن تقيم الأندية الأدبية معارض للكتاب. ولا أعلم معرضاً للكتاب في مكة أو جدة أو الطائف لم أزره وأقتني منه كُتباً، ومن الكُتب التي كانت تجذبني الكُتب الموسوعيّة كالأغاني، والعقد الفريد، ويتيمة الدهر، ومعجم الأدباء، والحيوان للجاحظ، ونفح الطيب للمقري. ومن الكُتب الموسوعية التي اقتنيتها في مرحلة التأسيس معجم لسان العرب وكان له وقت مخصص للقراءة اليومية، والقاموس المحيط، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، ولا أعلم كتاباً معتبراً في الأدب والبلاغة والنقد واللغة والنحو ليس في مكتبتي اليوم بحمد الله. والحقيقة أن تأسيس المكتبة يرتبط بالتأسيس العلمي للباحث، فقد كنت أؤسس مكتبتي على حاجتي من الكُتب، فما إن يدلف الكتاب إلى مكتبتي إلا وأخصص له وقتاً للقراءة، ومن الطريف أنه وصلني كتاب المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل هدية من أحد الأقارب، وهو من الكُتب المتخصّصة في النحو، وكنت وقتها طالباً في الثانوية، فتصفحته فلم يجذبني، ولكن بعد دراستي في الجامعة وجدته من أنفس الكُتب، فلخصت جزأيه الأولين في وريقات لم يرد فيهما مسألة إلا وهي في تلك الوريقات. وقد كان لأستاذي الدكتور عبدالرحمن العثيمين - رحمه الله - فضل في إرشادي إلى كثير من كُتب اللغة والأدب فقد كان أستاذاً ووالداً، ومربياً، وكان موسوعة علمية ومرجعاً في الكُتب والمؤلفين. * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * أعد نفسي من رواد معارض الكتاب خاصّة المعارض الداخلية في الرياض، وجدة، ومكة، والطائف، وكانت معارض الكتاب فرصة للشراء، خاصّة أنّها تتوفّر على الكُتب التي لا نجدها في المكتبات، وقد زرت معرض الكتاب في القاهرة غير مرة، وكان آخر زياراتي معرض الكتاب 2020، والحقّ أنه معرض دولي فخم، وسعر الكتاب فيه معقول. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * المرحلة الجامعية كانت هي المسار الأكبر والأوضح في بناء مكتبتي الشخصية، حيث كنت أقتني الكتاب المقرر، والكُتب المتعلّقة بالمقرر، وما يتصل بها من كُتب البحوث، والقراءات العامّة، ثمّ في مرحلتي الدراسات العليا اقتنيت كثيراً من الكُتب التخصصية في البلاغة والنقد وعلوم اللغة، والنقد المعاصر، والنظريات الأدبية والنقدية، وكُتب الفلسفة، والمنطق ولم أكن أستعير الكتاب من المكتبة الجامعيّة إلا إذا لم أجده في المكتبات التجارية. * حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * أوّل كتاب دخل مكتبتي بعد القرآن الكريم هو كتاب جواهر الأدب لأحمد الهاشميّ، ثمّ تبعه دواوين شِعرية، وكُتب موسوعية منها كتاب الأغاني الذي شغلت به واستهوتني قراءته، ثم كُتب اللغة والنحو، وكان للمعاجم نصيب في مرحلة التأسيس مثل لسان العرب. * هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ o نصيب المخطوطات في مكتبتي قليل إذ لم أكن أشتغل بالتحقيق، فبحوثي كلها دراسات لم أتجّه فيها لتحقيق مخطوط، لكنّي زرت مراكز البحوث، ومكتبات في الهند ومصر وصوّرت بعض المخطوطات، وناقشت رسائل في التحقيق، ولديَّ اتّجاه لجمع نسخ لمخطوط في الشعر العربيّ لدراسته! * ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * لديّ بعض الكُتب النادرة التي جلبتها من مكتبات خاصة بيعت في مصر، مثل كتاب تجريد البناني في البلاغة طبع عام 1347ه بمطبعة صبيح بالقاهرة، وطبعة حجرية للمطول طبعت عام 1317ه، طبعت بإسطنبول، وهذه الطبعة هي التي أخذت عنها الطبعات المختلفة في العالم العربيّ، إذا استثنينا تحقيق الأستاذ الدكتور أحمد السديس حيث اعتمد على نسخة من مكتبة «كوبريلي» بإسطنبول، وأخرى مصورة عن المكتبة العثمانية بحلب، ونسخة ثالثة دمشقية، واعتمد أيضاً على المطبوع الحجري الذي ذكرناه. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * أحتفظ بأعداد قديمة من الصحف والمجلات في خزانة قديمة للوالد - حفظه الله - بالطائف، منذ كنت طالباً في الجامعة. وبعضها احتفظت به بعد ذلك. * ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبك؟ * كتاب الحاوي الكبير في الطب للرازي، برغم أنّي لست أقرأ كثيراً في كُتب الطب، لكنه وصلني إهداء من أحد الأصدقاء. * هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير انتقائه؟ * أحياناً يجذبك العنوان لطرافته لكن ليس ذلك هو الجاذب الوحيد لاقتناء الكتاب، فقد يكون العنوان جاذباً وحين تتصفح مضمونه تنصرف عنه، والذي يجذب للكتاب موضوعه، ومضمونه، ومؤلفه، وإذا كان قديماً فالمحقّق القدير يجذبك إلى اقتناء الكتاب. * ما أطرف المواقف التي حصلت لك أثناء البحث عن الكُتب؟ * حين كنت أبحث في مرحلة الدكتوراه كنت أفتح الكُتب متجاورة فربما فتحت بضعة كُتب أطّلع على ما فيها وأقارنها، وفي يوم من تلك الأيام أغلقت أحد الكُتب على وثيقة للوالد قديمة يحافظ عليها، وعلى الرغم من أني أقرأ ذلك الكتاب وأرجع إليه إلا أني لم أعثر عليها فيه، ثم وجدتها بعد بضع سنين مصادفة. ومن أحد معارض الكتاب اقتنيت كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهانيّ، وكنت وقتها طالباً في السنة الأولى في المرحلة الجامعية فأسهرني الكتاب ليلاً، وشغلني نهاراً حتى إنّي لم أضعه في خزنة الكُتب بل وضعت المجلدات الأربعة والعشرين كلها على الأرض، فكانت الوالدة تنظر إليها وهي تملأ أرض الغرفة فتعجب من حالي وحالها. * ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها بما أنك مُهتم بالكُتب؟ * لم أجد فيما قرأت أعظم من قراءة القرآن لذلك فهو الذي لا تملّه النفس ولا تشبع منه، وأمّا القراءات الدائمة فهي كُتب الأدب، والنقد، واللغة عموماً، وكُتب التفسير، والعقيدة، والأصول، وكُتب الفكر، وتاريخ الأمم والحضارات. وقراءات أخرى لا أتردّد في فتح الكتاب الذي تتوق نفسي لمعرفة موضوعاته، ولا أبغي بالكتاب بدلاً. * هل تستفيد أسرتك من مكتبتك في إعداد بحوثهم؟ * نعم، ولله الحمد أسرتي كلها قارئة للكتاب بدءاً بزوجتي، وجميع الأبناء والبنات، ونحن لنا جلسة علميّة شبه يومية، نتحاور فيها في كتاب أو موضوع علميّ. * ماذا تُفضل المكتبة الورقية أم الرقمية، وما السبب؟ * لا بديل عندي عن المكتبة المنزلية الورقيّة، على الرغم من أنّي أتصفّح أحياناً الكُتب المتاحة على الشبكة العالمية، لكنّه مرور سريع للاطلاع العاجل حين أكون بعيداً عن مكتبتي، أما القراءة الصحيحة فليست إلا في الكتاب الورقي الذي أشعر أنه جزء من تكويني الشخصيّ، وأشعر بالحاجة اليومية إليه، بل لا أعلم يوماً لم يكن لي فيه نصيب من قراءة الكتاب، لا أقول القراءة ولكن قراءة الكتاب خاصّة. فالكتاب الورقي يتشكل بينه وبين محبّه علاقة حميمة، واحتضان الكتاب بين يدي القارئ يولد محبة وولاء وقرباً إلى النفس لا يجده القارئ في الكُتب الرقمية، بل يتعطّش القارئ المدمن القراءة إلى الكتاب كما يتعطش إلى الماء. * هل يوجد من قراءاتك كُتب لا تزال عالقة في الذهن؟ * نعم، الكُتب المفيدة المحبوبة كثيرة ولا أكاد أحصي أثرها في نفسي، وكذلك لا أحصي الكُتب القريبة من نفسي، ولكن كُتب الأدب، والتراجم، وكُتب البلدان لتلك الكُتب مذاق خاصّ. * ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة؟ * رسالتي لأصحاب المكتبات أن يكرموها بالقراءة والاعتناء، وتأسيس محبتها في نفوس الأبناء والبنات، فإن خير ما يورثه الأب لهم العلم، وبناء العقل، والوعي والمعرفة التي لا تذهب كما يذهب المال، كما أنصح بألّا ينصرف عن مكتبته إلى المغريات الأخرى التي تسرق الوقت. * كلمة أخيرة: * أقدم الشكر الجزيل لصحيفة «الرياض» على هذه الزيارة الجميلة لمكتبتي الخاصّة، واهتمام الصحيفة بالكُتب والمكتبات، والشكر موصول للأستاذ بكر هذال الذي يبذل جهداً في هذا الجانب، ويعنى بالكتاب والمكتبات. جانب آخر من المكتبة من إصدارات الضيف