أكد سياسيون ل"الرياض" أن الدبلوماسية السعودية نجحت في إدارة ملف العلاقات السعودية - الأميركية في الوقت الذي مارست فيه المملكة الحكمة وضبط النفس للوصول لتوقيت زيارة الرئيس الأميركي للمملكة والذي فرضته الظروف التي يعيشها المجتمع الدولي جراء ما حدث من الغزو الروسي لأوكرانيا ومن ثم التضخم والتدهور الاقتصادي الحاصل في العديد من مواقع العالم. ملفات النقاش وأضاف الكاتب والمحلل السياسي مبارك آل عاتي أنه من المتوقع أن تكون زيارة الرئيس الأميركي جون بايدن للمملكة زيارة مهمة ومفصلية من شأنها معالجة العلاقة بين البلدين وإعادتها إلى مسارها الطبيعي، وإتاحة الفرصة من جديد للبلدين لبحث مستقبل العلاقات، وينتظر أن تؤدي الزيارة لبحث عدد من الملفات لعل من أهمها بحث معالجة ملف العلاقة المتوترة بين البلدين الصديقين، وبحث المسائل الأمنية فيما يتعلق بأمن واستقرار دول المنطقة، ثم الملف اليمني وهو ملف مهم للغاية الذي تكاد تتطابق فيه الرؤية السعودية والأميركية حول مسألة استدامة الهدنة وتحويلها اتفاقاً سياسياً دائماً ليعم السلام ويتم حقن دماء الشعب اليمني الشقيق. وينتظر خلال الزيارة بحث الوضع الفلسطيني والحث على القبول بالقرارات الشرعية الدولية، وحث إسرائيل على قيام الدولة الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية بالإضافة لبحث الملف النووي الإيراني وهو ملف مؤرق جداً، وتنتظر المملكة من الجانب الأميركي وجود ضغط حقيقي على الجانب الإيراني، وأن يؤدي ذلك الى اتفاق نووي من شأنه أن يتم السيطرة على الملف النووي الإيراني، ومنع إيران من امتلاك قنبلة ذرية وهو الأهم الذي تسعى له المملكة وليس مجرد السيطرة على البرنامج النووي. ومن المتوقع بحث ملف الحرب على الإرهاب وهو من الملفات المهمة وتكاد تتطابق فيه الرؤية بين البلدين، ومن شأن هذا الملف أن يتم بحثه خلال القمة العربية - الأميركية، وأعتقد أن القمة السعودية - الأميركية ستكون قمة مهمة ومفصلية وعلى ضوئها سيترتب عليها نجاح القمة العربية - الأميركية، والتي من المنتظر أن تبحث الأمن والاستقرار في المنطقة، وتبحث الدعم الاقتصادي لهذه الدول، ومن ثم تشجيع التعافي الحاصل في الدول العربية وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن ومصر، والتي ستجد دعماً سياسياً واقتصادياً من الولاياتالمتحدة الأميركية. ملف العلاقات وقال آل عاتي: "إنه من المنتظر أن تبحث هذه الزيارة مسألة العلاقات في المنطقة مع التأكيد على القرار السيادي السعودي والقرار السيادي الخليجي، والذي بالتأكيد سيكون حاضر من خلال مراعاة المصالح الوطنية للخليج باستمرار علاقاتها مع الروس والصين بمعنى تحسن العلاقات الخليجية والسعودية مع الولاياتالمتحدة الأميركية لن يكون على حساب علاقاتهم مع الروس والصين". وأضاف: "دول مجلس التعاون الخليجي باتت في موقف أقوى يؤهلها أن تصلح علاقاتها مع دولة أميركا مع احتفاظها مع علاقاتها مع الروس والصين، وهذا ما يحسب للدبلوماسية السعودية التي نجحت في إيجاد حيز واسع من المناورة مع الولاياتالمتحدة الأميركية ومع الدول الغربية أهلها للتفاوض ومن ثم إقناعها باستمرار العلاقات المميزة مع كل الأطراف". توقيت الزيارة ولفت آل عاتي إلى أن توقيت زيارة الرئيس الأميركي للمملكة مهم، والذي فرضته الظروف التي يعيشها المجتمع الدولي جراء ما حدث من الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن ثم التضخم والتدهور الاقتصادي الحاصل في العديد من مواقع العالم وتحديداً في أوروبا والولاياتالمتحدة الأميركية، والذي يرتفع فيها التضخم بأرقام قياسية، ثم تليها العقوبات على النفط والغاز الروسي الذي أثر على أوروبا والدول الغربية بشكل عام، بالإضافة لتوقف سلاسل الإمداد الغذائي في أوروبا والعالم، وبالتالي ضغطت هذه الملفات الثلاثة على الجانب الأميركي لتسريع التفاتته للمنطقة العربية من جديد وتسريع التفاته للمكانة الاستراتيجية المهمة للمملكة العربية السعودية. مؤكداً على أن المملكة كانت تتميز ببعد النظر والحكمة وممارسة ضبط النفس في التعامل مع ملف العلاقات السعودية - الأميركية، وسعيها الدائم لمعالجة هذا الملف، وإدراكها أن العلاقات مع واشنطن هي علاقات سعودية - أميركية وليست علاقات سعودية مع حزب ديموقراطي أو حزب جمهوري، بل هي تؤكد أن سعيها لإصلاح العلاقات يصب في مصلحة البلدين والمحافظة على ما بناها المؤسسان لهذه العلاقة من ثمانية قرون، والسعي لتأسيس علاقات جديدة متميزة في المستقبل والذي فرضته المتغيرات على أرض الواقع وقوة النفوذ السعودي المتصاعدة والقوة الاقتصادية السعودية. العلاقات بين البلدين من جانبه قال المحلل السياسي د. نايف الوقاع: إن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة العربية السعودية هي امتداد لمراحل العلاقات السعودية - الأميركية، ويأتي استكمال هذه العلاقة إيماناً من الدولتين الصديقتين بأهمية هذه العلاقة وأهمية استمراريتها، والعلاقات عادة لا تقوم على مبدأ العواطف أو ردة الفعل وإنما الأساس الذي تبنى عليها الدول علاقاتها هي المصالح المشتركة، وهذا ما يتوفر بشكل واضح للعلاقات السعودية - الأميركية والتي بدأت منذ العام 1933 واستمرت إلى ما يقرب من ستين عاماً، وهي في مراحل النمو والازدهار وفتح آفاق جديدة لهذا التعاون. والولاياتالمتحدة الأميركية تدرك من خلال التاريخ والتجارب والوقائع أنه لا يمكن التعاطي مع أي ملف من ملفات الشرق الأوسط إلا من خلال علاقات متينة ومؤثرة مع المملكة العربية السعودية، ولذلك عمدت السياسة الأميركية إلى الإقرار بهذه الحقيقة بأنه لا يمكن الوصول لعمل ناجح في المنطقة دون المرور بالمملكة ولو نظرنا إلى تاريخ هذه العلاقات منذ اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والرئيس الأميركي روزفلت في البحيرات المرة في مصر، وما نتج عن هذا اللقاء من اتفاقية امتدت حتى هذا الوقت، وبالتالي لو نظرنا لجميع المسارات التي توطد للعلاقات بين الدولتين ففي المجال السياسي نجد أن هناك توافقاً ربما يكون شبه تام ومتطابق إلا فيما يتعلق بملف القضية الفلسطينية، والزيارات متبادلة على مستوى القمة والوفود التجارية والتعليمية والثقافية والصحية وعلى مستوى الوزراء، وهذا يعني وجود بعد أصيل للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولم تنقطع العلاقات ولم يتوقف التنسيق يوماً ما. ولو نظرنا للجانب الأمني والعسكري والدفاعي لوجدنا الولاياتالمتحدة الأميركية هي المصدر الأول للمملكة سواء بالنسبة لأسلحة الجو والبر والبحر أو الدفاع الجوي، والمملكة تحرص على اقتناء الأسلحة الأميركية لجودتها وكفاءتها ومواءمتها للبيئة السعودية، وهذا يعني أن الولاياتالمتحدة الأميركية شريك يعتمد عليه. ملفات مشتركة وتابع د. الوقاع: "لو نظرنا للمجال الاقتصادي فإن المملكة هي أكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط لدولة أميركا والتبادل التجاري هو الأكبر بينهما وهناك عدد كبير من الشركات الأميركية تعمل في المملكة، وهي شريك أساسي في نهضة المملكة سواء في مراحل اكتشاف البترول أو في مراحل بناء البنية التحتية للمملكة، وبالتالي هذا التعاون مستمر وفي أفضل حالاته وبالنسبة للتعاون العلمي والثقافي والتعليمي فمنذ زمن طويل والبعثات التعليمية للطلبة والطالبات والخبراء والعلماء تتوجه للولايات المتحدة الأميركية، ووصل عدد المبتعثين إلى عشرات الآلاف ولا تزال الجامعات تستقبل أعداد كبيرة من الطلبة السعوديين". مكافحة الإرهاب وأشار د. الوقاع إلى التعاون الوثيق في ملف مكافحة الإرهاب ووصفه بالتعاون الوثيق، ووجهات النظر تكاد تكون متطابقة بين الدولتين، وهم شركاء في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهناك تنسيق مستمر في التعاون حول مستجدات الإرهاب سواء المدعوم من دولة إيران أو أي جهة أخرى، وهو من الملفات التي تجسدت فيها قوة التعاون بين الدولتين الصديقتين. المملكة وسوق الطاقة وأضاف: "من الملفات الكبرى التي يتم فيها التنسيق بشكل كامل بين الدولتين ملف الطاقة، والمملكة هي القائد الحقيقي لسوق الطاقة الدولي، وهي الدولة الأكثر تأثيراً في إمدادات الطاقة حول العالم والمساعدة في التخفيف من التقلبات الحادة في أسعار الطاقة، ولهذا نجحت المملكة في قيادة أوبك وأوبك بلس، ووصلنا لمرحلة متعادلة من الأسعار، بحيث لا تكون الأسعار قليلة تؤثر على الاستثمار في مجال التكرير والاستكشاف، ولا تكون مرتفعة بحيث تؤثر على النمو الاقتصادي على مستوى العالم، وهو ملف من أكثر الملفات حساسية في هذه الفترة، والمملكة نجحت في إدارة هذا الملف بقدرة استثنائية ورائعة شهد لها الخصوم قبل الأصدقاء".