استقرار المجتمع وترابطه من استقرار الأسر وتوافقها، وعماد الأسرة والركيزة التي تتكئ عليها بلا ريب هما الزوج والزوجة، المؤشر في السفينة يقوم بدور فاعل في رصد السرعة والضغط وحركة الرياح واتجاهاتها، وطبقاً لذلك يتم التأكد من صلاحية المحركات وتجنب الخطر التي توحي به حركة المؤشرات. المجتمع هو السفينة، والمؤشرات هي السلوكيات التي تنبثق من محيط الأسرة الصغيرة، والتي في ضوئها يتمكن قائدها من ضبط الحركة وتحري السلامة سواء كان من ناحية السرعة أو الضغط أو الاتجاه، بمعنى أن انسجام أفراد الأسرة الصغيرة ينعكس على التوافق بين الأسر ما يفضي بطبيعة الحال إلى استقرار المجتمع وتماسكه، في حين أن هناك جزئية بالغة الأهمية والخطورة في آن، وفي تقديري فإنها تعد المصدر الأول للتشويش والارتباك، والمحرك الرئيس للمشكلات الأسرية برمتها ألا وهي استكثار أحد الزوجين نفسه على الآخر وما يحتويه من تجريح وانتقاص، هذا السلوك القبيح وغير السوي يصيب الاستقامة في مقتل، وهكذا يتمكن الشعور السلبي من السيطرة على الأحاسيس ليتحول إعصاراً لا يبقي ولا يذر، ولا يتوانى في هدم أركان البيت الهادئ المستقر، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)، وقال رسول الهدى عليه أفضل الصلاة والتسليم: (لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر)، كل امرأة على وجه الأرض تملك ما يميزها عن الأخرى، وكل رجل في هذه الأرض يملك ما يميزه عن الآخر، فالرجل يجد بالمرأة الميزة التي يبحث عنها، والمرأة كذلك تجد الميزة عند الرجل، نقاط الالتقاء في العلاقة الزوجية تفوق نقاط الاختلاف أضعافاً مضاعفة، كل ما في الأمر هو هيمنة التفكير الإنهزامي القابل للاستدراج والضعف وتزعزع الثقة أمام اختبارات الحياة، والنتيجة حتماً الرسوب بكل ما تعنيه الكلمة، فتجد كل طرف يتربص بالآخر مستعيناً بالمخزون القليل من الجوانب السلبية، وإذا كان الأمر كذلك فأين كنت وقت عقد الزواج وكلٌ منكما قبل بالآخر بكامل إرادته. جمال الروح يكمن في الصبر في تفعيل الصفح والعفو، في التغاضي عن الأخطاء الصغيرة كأنماط سلوكية بديعة ترفع القدر وتكسب الأجر وتثقل الميزان يوم توفى كل نفس بما كسبت، فلا تخسر ما تكسب في تسرع لا يفتأ أن يسقطك ويشتت أبناءك، واللافت أننا نتعلم المفاهيم الجميلة والعبارات اللائقة اللبقة ونستقي الكلمات حفظاً لا مضموناً، لتتبخر دلالاتها المعنوية والمعرفية عند أول مواجهة؟ فما جدوى تعلمنا إياها إذا لم يتم تفعيلها وتنفعنا وقت الحاجة إليها؟ الزواج ليس مجرد عقد بل ميثاق شرف أدبي وأخلاقي، أين الصبر والتريث والأناة والتؤدة والمروءة والشهامة لا سيما في هذه المراحل الحرجة، لا شك أن الضحية في هذه المعمعة هم الأبناء فكيف يحملون الشيء ونقيضه في الوقت ذاته؟ وأنتَ بذلك إنما تنتقص من نفسك، وأنتِ كذلك تنتقصين من نفسك، فهم جزء منك ومنه، الأبناء والبنات هدية من رب العالمين يملؤها كم من المشاعر والأحاسيس التي تتدحرج ذات اليمين وذات الشمال لا سيما في هذه المناظرة الخاسرة، لأنها تحلق بعيداً عن مدار الأخلاق، وفي خضم الشد والجذب تستدعي ذاكرة الأبناء والبنات زخم المواقف الجميلة بين الأب والأم وتجاههم، نعم أيها الأبناء والبنات أنتم المؤشر المؤثر بهذا الصدد، وضابط إيقاع الأسرة بالألفة والمودة والحب، وخير عون لوالديكم، وبتفكير القبطان الماهر لتفيض العشرة الطيبة أنهاراً عذبة تعزز هذه الأواصر في نطاق التوافق النفسي والفكري، فيما يتحول التقارب المعنوي إلى مرصد يلتقط الإشارت الجميلة المبهرة، ممهداً الطريق ليعبر من خلاله الأهالي إلى آفاق الترجمة الحقيقية لمعنى الحياة، وكيف تُبنى الأمم في هذا الإطار الجميل الجذاب، في ترجمة حقيقية لمعنى الحياة وجودتها من خلال التكامل واستقاء القيم الجميلة الخالدة من ديننا الحنيف الذي حثنا على المحبة والمودة والصدق والرفق في شؤوننا كلها. وفي الختام فإن ثمة كنز مفقود لم يكن مفتاحه إلاّ في الذهن المتقد ألا وهو التواضع، ومن تواضع لله رفعه، سئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال: "اجتناب الريب وإصلاح المال والقيام بحوائج الأهل"، وحوائج الأهل لا تقتصر على الأمور المادية بل المعنوية أيضاً من أحاسيس جميلة لتعبر من خلال القول كلمات عذبة رقراقة تتدفق مروءة ونبلاً وشهامة وبالله التوفيق. سأل القاضي الزوجين: إذن فأنتما تصران على الطلاق لأنكما غير متفقين في الميول والآراء. فأجاب الزوجان في آن واحد: أجل يا سيدي القاضي، وإذ ذاك قال القاضي: إذن كيف تتفقان على الجواب الآن.