في دراسة لانتشار السرطان في أميركا، وجدت إحصائية شملت أكثر من 3000 مقاطعة أميركية نمطاً معيناً؛ المقاطعات التي كان سرطان الكلية أقل من غيرها اتّصفت بأنها: ريفية، قليلة السكان، وموجودة في ولايات جمهورية في مناطق الجنوب والغرب. لعلك ركزت على كون تلك المناطق ريفية، ففعلاً يمكن أن يقل السرطان هناك بسبب الحياة الريفية؛ هواء أنظف، ماء غير ملوث، طعام طازج لا إضافات فيه. الآن تأمل المقاطعات التي وجدوا فيها أعلى حالات السرطان انتشاراً، فمن صفاتها أنها: ريفية، قليلة السكان، وموجودة في ولايات جمهورية في مناطق الجنوب والغرب. غريب! لعل هذا بسبب فقر الريف: لا وصول للرعاية الصحية الجيدة، غذاء مليء بالدهون، الكثير من الكحول، الكثير من التدخين. لكن الحقيقة هي أن المسألة ليست عن علم إحصائيات الأمراض وإنما العلاقة بين العقل والإحصائيات. العقل يربط ويستنتج حتى لو لم يكن صحيحاً، المهم أن يكون العالم متسقاً ومنطقياً، هذا ما يبحث عنه عقلك، لأن العقل يضطرب إذا واجه العشوائية، فيصر على السببية، وأن هناك سبباً لكل شيء. هذا يسمى قانون الأرقام الصغيرة كما يذكر كتاب Thinking Fast and Slow، فالمشكلة في النهاية كانت أن العينة (أهل الريف) صغيرة ولا تعطي فكرة صحيحة من ناحية إحصائية. العينات الصغيرة لا يمكن أن يعتد بها في الإحصائيات وإنما العينات الكبيرة التي تشمل أعداداً واسعة من الناس هي الأصدق والأصح. إذا رأيتَ إحصائيات صغيرة ومحدودة ومع ذلك تُنشَر في الإعلام على أنها تحقيقات صحفية أو حقائق تستحق الاهتمام فضع تحتها خطوطاً حمراء! علمياً فالمسألة ليست بهذه السهولة.