واقع ما تطالعنا به بعض النشرات في الملاحق المهتمة بالفن والأدب، يعكس حجم الصراعات المفتعلة بين الأجناس الأدبية وبالذات بين الرواية والشعر أو الشعر والفن التشكيلي وتصنيفها قسرياً كمجالات تقود دفة التأثير والنقد وتصل إلى مرتبة عالية في ذائقة الأوساط والجموع، والمتلقين لهذه الفنون والمتعلمين كذلك. وهي مقارنة في غير موضعها حقيقة، وأصوات حادة في غالب الأحيان هدفها لفت النظر والاهتمام ومحاولة فرض الرأي وإقصاء الرأي الآخر ضمن ما يعرف بالجدل العقيم الذي لن يصل بطبيعة الحال إلى نهاية معقولة ترضي كل الأطراف، أو تلامس ذائقة القراء الذين يتابعون ويقرؤون كل ما يذهب إليه رواد هذه الفنون جميعها وبدون استثناء، بسبب الحدية المطلقة وفرض وجهات النظر وكأنها آراء قطعية الثبوت لا تقبل أنصاف الحلول. لأن للشعر رواده التقليديين منهم والمحدثين ومتذوقيه كما هو الحال مع الرواية والفن التشكيلي أيضاً، وهذا الأمر يقودنا إلى التساؤل حول جدلية التحزب والتطرف الثقافي الذي يتجه إلى تفضيل جنس أدبي أو فني على حساب جنس آخر، فهو في حقيقته أمر غير منطقي ولا يخدم الثقافة عموماً على امتداد الفنون والآداب كلها، على اعتبار أن كل ما تشهده الساحة يعتبر شكلاً من أشكال التعبير المتعددة والمنوعة بتنوع أذواق الناس وميولهم وتعدد توجهاتهم ومشاربهم الفكرية وتجاربهم، فلطالما قرأنا عن موت الشعر أو نهاية القصة وعن تأخر الفن عامة وقصوره عن التأثير مثلما تفعل الرواية مثلاً، وتصنيف ذلك ضمن أطر إقصائية تبتعد في جوهرها عن جسد الثقافة وروحها الوثابة التي لا زالت تشكو من أزمات متلاحقة وعلل متتالية يأتي في طالعها البحث عن الإثارة والتفرد في هذا السجال الذي بدأ جلياً في الآونة الأخيرة.