من المعلوم بأن الأخلاق وسموها كقيمة إنسانية كريمة نبيلة، تبرز مآثرها من خلال التعامل أياً كان نوعه، سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو غير ذلك، ويندرج حتماً في إطار سمو الأخلاق الاحترام كعنصر مؤثر في تنمية العلاقات من جهة، وكقيمة تتكئ على حسن الظن، والنية الحسنة من خلال التعامل، وبناء علاقات حضارية خلاقة تنبذ العنف وتشتت الأحقاد وتزيل الكراهية، كما هي رسالة السماء للإنسان بإعمار الأرض لا دمارها، فكانت الأديان السماوية تهذيباً للنفس ورفع مكانة الإنسان وإعلاء قدره وقيمته وتعريفه بخالقه وإرشاده إلى طريق الصواب، ويظل احترام المشاعر نبراساً مضيئاً يكسو القلوب بوشاح النبل المستعصي على الاختراق، وكما هو معلوم فإن أغلى ما يملكه الإنسان هو دينه، لذلك كان التجاسر والنيل من الدين بأية صفة كانت يُعد امتهاناً للكرامة، ولا أجد عاقلاً على وجه هذه البسيطة يقبل التطاول على المولى وكتبه ورسله، لذلك فإن رد الفعل إزاء ما يحدث جراء هذا الإخلال والنيل من الثوابت، من الطبيعي أن يكون مؤلماً ومزلزلاً، دين الإسلام الخالد ليس دين استعداء وبغي وظلم، بل دين الحق الذي أرسل للناس كافة ونبي الهدى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، حمّل هذه الأمانة وبشر بها، وورد في الحديث الشريف «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وأجزم واثقاً أن الكثيرين لا يعلمون عن نبينا الشيء الكثير، بل إن التضليل خيم على أفكارهم وحرف مسارها كأحد الجوانب المكرسة لابتعاد الحقائق وتحويرها على نحو يستخف بالحس الإنساني ويعبث بعقله ويجرده من قيمته المعنوية الجديرة بتلقي الحقائق كما هي، والسؤال هنا ما المحصلة من وراء استفزاز المشاعر بهذه الصيغة الفجة والتي لا يقبلها عاقل كائناً من كان؟ فضلاً عما يحدثه من إثارة للضغينة والكراهية وتأصيلاً للعداء المنبثق من رحم الخطيئة، ديننا الحنيف أمرنا بالعدل في العلاقة فكانت المعايير الأخلاقية المقسطة في إطار هذا الركن العظيم محوراً رئيساً في مسيرة المسلم من المهد إلى اللحد، ولم يكن التجاوز بهذا الإسفاف يندرج في نطاق حرية التعبير، بل إن المؤمن لا يتجرأ على هذا الأمر فضلاً عن التفكير فيه، وهل يكون في الاستهزاء برسل رب العالمين وإيذاء مشاعر الملايين من المسلمين حرية رأي وتعبير، فهل دريت على ما استعديت يا من سولت لك نفسك وتطاولت على سيد المرسلين ولا أخال إلا أن يجف ماء عينيك وينعقد لسانك وتتورم شفتيك لأنك بالبهتان افتريت فضاق أفقك وانحسرت مداركك إلى هذا المستوى المخزي المخل، فارتقب إن وعد الله حق قال تعالى "إنا كفيناك المستهزئين" وهل يُعتقد بأن هذه الضلالات ستزعزع الثقة أو تنال من محبته صلى الله عليه وسلم، ونحن نصلي ونسلم عليه مئات المرات في اليوم والليلة، وكيف لا تنكأ جراحاً يخلفها هذا القول وإسلام المرء لا يكتمل حتى يكون الرسول الكريم أحب إليه من والديه وولده، وإذا كانت المعايير الأخلاقية تحدد المسار التنظيمي للعلاقات بين الأفراد فإنها بين الأمم تعد حجر الأساس، وما تحتمه الأمانة الأخلاقية في رفع المستوى المهني والحرفي من خلال التعامل الخلاق والرؤية الموضوعية المتزنة والالتزام بميثاق الشرف بما في ذلك أمانة الكلمة، نبينا الكريم محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعلمه مكارم الأخلاق لنتأسى بها، فكانت أحاديثه الشريفة نبراساً يضيء الطريق إلى خيري الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم "ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه" وجاءه رجل فقال: يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب، فردَّد مرارًا، وقال عليه الصلاة والسلام "ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" وأحسب أني امتثلت لقول سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الطرح، بعيداً عن الغضب والانفعال المؤدي إلى احتقان المشاعر بسياق المنطق والموضوعية وفي إطار الحوار المفضي إلى تصحيح النظرة المجحفة تجاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي نحبه حبا يفوق الوصف فهو في ادراكنا وافئدتنا المرشد المعلم المؤدب العطوف الحنون بأبي هو وأمي، قال المولى تبارك وتعالى في نبيه الكريم"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وقال عز من قائل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وختاماً فإني أدرك يقينا أن الإنسان لا يؤخذ بجريرة غيره، بمعنى أن من من ارتكب المخالفة، لا يجوز بحال من الأحوال معاقبة غيره، لأن هذا يندرج في نطاق الظلم والاعتداء، وقد علمنا ديننا الحنيف هذه الأسس السليمة، فقال الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" ولله الأمر من قبل ومن بعد. حمد عبدالرحمن المانع