كانت الشركة تضمد جراحها بعد تبعات الجائحة، ولم تدرك أنها "تنزف" من مواضع أخرى، فبعض الموظفين كان يمضي أشهرا معدودة ثم يرحل، والبعض الآخر يكمل عامه الأول ويفر بلا حسرة. بعد فحص متأنٍ لنتائج مقابلات الموظفين المغادرين (تمت مقابلتهم بعد فترة طويلة من مغادرتهم)، استوعبت الشركة أن المشكلة لا تدور حول طبيعة العمل أو المزايا المالية أو مقومات البيئة المادية، وإنما في كون الشركة "بيئة عدائية للموظفين الجدد"! فعلاوة على أن رحلة البحث مضنية، يصطدم الموظف الجديد ببيئة عمل "غير ودودة" تحطم كل التوقعات التي رسمها في ذهنه وهو يتجول بعناء في سوق العمل. هناك ظاهرة تنمر وتسلط على الموظفين الجدد، تتجلى أبرز مشاهدها، عندما يلتحق موظف جديد (خريج بلا خبرة) للعمل تحت إشراف مدير لديه ثقة مهتزة بقدراته، فيعوضها بالتسلط على الموظفين الجدد، وفرد عضلاته عليهم، وقد يأخذ الأمر منحى آخر مع بعض الموظفات الجديدات تصل إلى مستوى التحرش، ومحاولة إرغام الموظفة على تقبل هذه التصرفات السيئة حفاظا على وظيفتها! التنمر ضد الموظفين الجدد - سواء قام به المدير أو الزملاء - يتخذ صورا مباشرة وغير مباشرة، فالتنمر المباشر يتمثل في السلوك الذي يؤذي الموظف الجديد جسديا أو نفسيا بهدف إهانته والتقليل من شأنه، ويندرج من ضمنها التهكم عليه، وكذلك تهديده أو تخويفه بشكل متكرر بإنهاء خدماته أثناء فترة التجربة أو بتمديد فترة تجربته. أما التنمر غير المباشر فيتم من خلال مضايقة الموظف الجديد بعدم التعاون معه، والتعامل معه بفظاظة، والتمنع عن إشراكه بالمعلومات أو التنسيق معه فيما يتصل بعمله، وعدم مساعدته على معرفة أو فهم سياسات العمل أو إجراءاته لإحراجه أو دفعه لارتكاب الأخطاء. وللأسف، إن التنمر على "الأعضاء الجدد" يسري أحيانا على المتدربين ضمن برنامج "تمهير"، وبرامج "التدريب التعاوني"، حيث يجري استغلالهم إلى أقصى درجة، وتكليفهم بمهام تتجاوز مستوى التدريب (الخفيف)، لتصل إلى مهام عمل مكثفة ومسببة للإنهاك (الكل يعطيهم واجب!)، مستغلين فورة شبابهم وجهلهم الإداري، مع "حقنهم" بوعود كاذبة للتعيين بعد انتهاء التدريب، ليتمكنوا من عصر المتدربين كالبرتقال الذي "يكبس" إلى آخر قطرة! لكن بالإمكان مكافحة التنمر والتسلط على الموظفين الجدد من خلال توعية الموظفين بحقوقهم وواجباتهم عبر البرامج التعريفية عند بداية التحاقهم بالعمل، وتزويدهم بأوصاف وظيفية شاملة وواضحة، وإذا لم تتوفر فيتم "تحديد" مهامهم ومسؤولياتهم بشكل مكتوب ومعلوم للمدير والموظف والموارد البشرية تجنبا للاجتهادات والعمل العشوائي. مع ضرورة بناء ثقافة إدارية تقوم على تعزيز التعاون وتقديم الدعم للزملاء الجدد، وترتكز أيضا على انتهاج الشفافية في العمل (سياسات وإجراءات واضحة ومعلنة)، أما الأهم فيأتي أخيرا عندما يتم إعادة تأهيل المديرين في كيفية التعامل والتواصل مع الموظفين (الجدد وغيرهم) بأعلى مستويات الثقة والاحترام مما يمكنهم من تقديم "عصارة" إبداعاتهم والبقاء لفترة طويلة !