ما الذي يجعل حملة توعوية ناجحة محققة أهدف التواصل الاستراتيجي بامتياز؟ هناك عدة أدوات ومقاييس، أحدها أن تستطيع تلخيص الحملة في جملة واحدة، وهو ما تحقق في حملة "القطاع الرابح"، التي أطلقها مؤخراً المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي. أحد التحديات التي تواجه القطاع غير الربحي في المملكة والمنطقة العربية هو ارتباط الصورة الذهنية بمبدأ التبرعات الخيرية والإحسان في أعمال البر وأيضاً التطوع التقليدي، بينما مساحة القطاع اقتصادياً أوسع، وأثره الاجتماعي أكبر، متى ما رفع الوعي بالمجالات التنموية المتنوعة والكثيرة التي يجب أن ينشط فيها، ومنها ستة مجالات ركزت عليها الحملة حالياً: الثقافة والصحة والتعليم والبيئة والإسكان والتنمية الاجتماعية. الرائع في الحملة التي بُنيت -بالضرورة- على خطة تواصل استراتيجي واضحة ومحددة، أنها تميزّت برسالة اتصالية واضحة، وأهداف اتصالية محددة، تركز على التعريف بالقطاع وأهميته ومجالاته، وتهدف إلى أنسنة القطاع وربطه بالأرباح المعنوية على الفرد والعائدة على المجتمع، مع تحديد الفئات المستهدفة والقنوات المناسبة. والرائع أن عنوان الحملة ظهر مضاداً للاسم الدارج للقطاع! لكنه أوصل الرسالة أن ربح الفرد والمجتمع هو الهدف الأسمى من تطوير القطاع وتوسعه. لفت نظري فيديو الترويج الرئيس، الذي لم يكتف بالرسائل والمعلومات، بل إن واقعية رسالة الفيديو أكدت وصول رسالته، عبر إبراز أمثلة من جمعيات حقيقية تعمل في مجالات تقليدية وغير تقليدية! ولعل تحقيق مشاهدات مليونية تجاوزت العشرة ملايين خلال ساعات قليلة، يعزز من وصول الرسالة إلى أكبر قدر ممكن من المستهدفين. التفاعل الملاحظ من قبل الجمعيات والمؤسسات غير الربحية في منصات التواصل الاجتماعي يسلط الضوء على أهمية رفع وعي المجتمع بمساهمة القطاع الثالث، وضرورة العمل على تمكين القطاع غير الربحي من مضاعفة أثره في الفضاءين الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً أن أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030 هو رفع مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5 %، ناهيك عن زيادة عدد المنظمات غير الربحية وأعداد المتطوعين وساعات التطوع، وهذا لن يتم دون فتح المجالات المتعددة و"غير التقليدية" أمام المهتمين ليشمروا عن سواعدهم في تأسيس المنظمات وتشغيلها، وبالطبع العمل على تحسين وتوسيع الصورة النمطية للقطاع في أوساط مجتمعنا، حتى نتشجع لاقتحام مجالات جديدة ومبتكرة، تأخذ القطاع إلى مستويات أعلى وأثر أوسع. والحقيقة أنني شخصياً أفتخر أني جزء من "القطاع الرابح" كوني شاركت في تأسيس وإدارة جمعية غير ربحية -أو بلغة الحملة "جمعية رابحة"- ولله الحمد، وأتأمل الكثير من المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، رغم أنه لا يزال في مراحل التأسيس والبناء، لكن هذه البدايات الطموحة تبشر بمستقبل أكثر تنظيماً وازدهاراً لقطاعنا الرابح.