أخذت الأوضاع السياسية في الباكستان منحى مختلفاً، بعد مطالبة عمران خان رئيس الوزراء السابق مؤيديه النفير صوب العاصمة إسلام أباد غداً الأربعاء لتنفيذ مسيرة اعتصام، ضد حكومة شهباز شريف في خطوة وصفها المراقبون ل"الرياض" بأنها قد تؤدي إلى عنف واشتباكات بين مؤيدي عمران ومناصري الحكومة من جهة ومؤيدي عمران والقوات الأمنية، التي صدرت لها الأوامر بعدم السماح لعمران ومناصريه بالدخول إلى عمق العاصمة والسماح فقط للتجمهر على مشارف العاصم. وجاء موقف عمران بعد سلسلة من التظاهرات التي قادها في عدد من المدن الباكستانية بعد سقوط حكومته الشهر الماضي.. وأعلن عمران في كلمة وجهها لقيادات الحزب أمس، "الجهاد" ضد الحكومة على حد قوله مشيراً إلى أن الاعتصام سيستمر حتى رضوخ الحكومة بحل البرلمان والإعلان عن انتخابات مبكرة فوراً. وفي رد سريع على موقف زعيم المعارضة؛ أكد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في جلسة طارئة عقدها مع شركاء الائتلاف الحكومي أمس أن الحكومة سمحت لعمران بتنظيم التظاهرة الاحتجاجية كونه حقاً ديمقراطياً يكفله الدستور، إلا أنه حذر في نفس الوقت من أن الحكومة لن تسمح لأي عملية غوغائية أو محاولة المساس بالأمن أو استخدام العنف مؤكداً أن السلطات الأمنية ستتخذ الإجراءات اللازمة الفورية للحفاظ على أمن واستقرار العاصمة والمناطق والوزارات الحساسة فيه. وأعلن شهباز أن هناك إجماعاً في أوساط شركاء الائتلاف الحكومي على استكمال فترة الحكومة بحسب الدستور حتى نوفمبر 2023؛ فيما استدعت الحكومة أمس وحدات شرطة إضافية وأفراد من القوات شبه العسكرية إلى إسلام أباد في ضوء المسيرة الطويلة التي أعلنتها حركة الإنصاف المعارضة. وأوضح شريف أن خان يدفع باكستان نحو حرب أهلية فيما حذر وزير الداخلية رانا سناء الله في تصريحات من اللعب بالنار مؤكداً أن الشخص الذي "دمر الاقتصاد" أعلن عن احتجاجات لوقف تعافي اقتصاد البلاد، بينما قالت وزيرة الإعلام مريم أورنغزيب أن إعلان رئيس الوزراء المخلوع عمران خان عن انطلاق مسيرة نحو إسلام أباد يعد محاولة لتخريب المحادثات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، مؤكدة أن الحكومة لن تعلن تاريخ إجراء الانتخابات المبكرة بناء على مطالبة عمران خان.. وأضافت أن الائتلاف الحاكم سيعلن عن إجراء الانتخابات بالتشاور مع الشركاء وليس بلوي ذراع الحكومة. يأتي ذلك في الوقت الذي يعمل فيه عمران خان على حشد أنصاره للضغط على الحكومة الحالية التي يصفها بال"مستوردة" حيث يطوف جميع أنحاء البلاد لإلقاء خطابات بأنصاره، بالإضافة إلى أنه دعا لتجمع مليوني في العاصمة، وهذا ما سيشكل تأثيراً كبيراً على الاقتصاد خاصة في حال تطور الأمر إلى أعمال عنف.. ويرى الخبراء السياسيون والاقتصاديون أن الاقتصاد الباكستاني دخل مرحلة صعبة وفقًا للمؤشرات الحالية، والتي يرى الخبراء أنها تشير إلى إمكانية إعلان إفلاس الحكومة في مراحل مقبلة، في حال لم يتم الحصول على دعم خارجي يعطي انتعاشة للاقتصاد المتدهور. يأتي ذلك في الوقت الذي يزداد فيه الاحتقان السياسي والمواجهة التي قد تقود اشتباكات دموية. وتعاني باكستان في الوقت الحالي من نقص حاد في احتياطيات النقد الأجنبي، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2019، حيث وصل احتياطي النقد الأجنبي إلى حوالي 10 مليارات دولار أميركي، بسبب زيادة عجز الحساب الجاري والعجز التجاري، وارتفاع مدفوعات الديون الخارجية. وانخفضت احتياطيات البنك المركزي الباكستاني بمقدار 190 مليون دولار إلى 10.308 مليارات دولار. فيما يتوقع المحللون أن أحدث احتياطيات البنك المركزي يمكن أن تغطي ما قيمته 1.54 شهر من الواردات، وفقاً لما أوردته صحيفة نيوز الذائعة الصيت.. ووصلت الروبية إلى أدنى مستوياتها في التاريخ حيث بلغ سعر تداولها مقابل الدولار الأميركي إلى 200 روبية عند إغلاق التداول يوم الأحد وفقًا لما أظهرته بيانات جمعية فوركس الباكستانية، وقد وصلت إلى هذا الحد في انحدار سريع بعدما كان يتم تداول الدولار بسعر 192 روبية مع بداية الأسبوع. ولا تزال حكومة شهباز شريف تحافظ على عدم رفع الأسعار على المواد الأساسية خوفًا من زيادة استياء المواطنين، مع ارتفاع أسعار البترول عالمياً، وفي حال لم يتم رفع الأسعار فإن الحكومة سوف تضطر إلى أن تتحمل فارق الأسعار. وقد تم الإعلان قبل أيام عن إمكانية كبيرة لرفع أسعار البترول والمحروقات، لكن الحكومة تراجعت عن ذلك، في وقت تشهد البلاد انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي وسط ارتفاع درجات الحرارة، مما يزيد من المعاناة والاستياء لدى المواطنين. يأتي ذلك في الوقت الذي تتفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض عاجل بقيمة مليار دولار، حيث بدأت المفاوضات بين الطرفين الأربعاء الماضي والتي من المتوقع أن تستمر حتى الأسبوع المقبل. ويضع صندوق النقد الدولي شروطاً صعبة من وجهة نظر الحكومة الباكستانية، حيث يتوجب على الأخيرة إجراء إصلاحات اقتصادية من ضمنها رفع الدعم عن بعض العناصر الرئيسية مثل البترول، وهذا ما يزيد من المخاوف لدى المواطنين، بالرغم من تعهد رئيس الوزراء بعدم رفع الأسعار. وتعهد شريف بأن تتخذ الحكومة الجديدة خطوات لجعل باكستان «جنة استثمار» للمستثمرين. وهيمن حزبا "الشعب الباكستاني" و"الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز " اللذان أسستهما عائلتان سياسيتان باكستانيتان، على الحياة السياسية على مدى عقود وفي غالب الأحيان كخصمين لدودين. وانتخب زعيم المعارضة شهباز شريف رئيساً للوزراء البالغ من العمر 70 سنة، وهو الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء ثلاث مرات نواز شريف، الذي منعته المحكمة العليا في 2017 من تولي مناصب عامة، ثم سافر بعد ذلك إلى الخارج لتلقي العلاج الطبي، بعد أن أمضى عدة أشهر فقط من عقوبة بالسجن لعشر سنوات عقب إدانته بتهم فساد. ووردت توقعات تفيد بأن نواز شريف قد يعود قريباً من منفاه في بريطانيا.