لم تكن ال 35 يوما التي مرت على الائتلاف الحكومي الموسع الذي يقوده شهباز شريف رئيس الوزراء الباكستاني ورئيس حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز)، سهلة سواء على المحور السياسي، أو الاقتصادي إطلاقا. ولم تكن الفترة التي أمضتها الحكومة رغم قصرها، مطمئنة لصناع القرار في الحديقة الخلفية، أو للعالم الذي يأمل أن تتجاوز الباكستان أزماتها التراكمية التي ورثتها عن الحكم السابق لحكومة عمران، وتحتاج إلى معجزة لإنقاذها. الانتقال في مسار الحكم بعد إسقاط حكومة عمران قد يكون حقق هدفا استراتيجيا ومكاسب سريعة للائتلاف الحكومي إلا أن التحول في الحكم تم في أسوأ توقيت تمر به باكستان من حيث الأزمات السياسية والاقتصادية وتراكم القروض وغلاء الأسعار ومنحة من صندوق النقد الدولي. مزيد من التعقيد ويؤكد الخبراء الباكستانيون أن الوضع مرشح لمزيد التعقيدات الاقتصادية والسياسية، ليس بسبب عدم كفاءة الحكومة، ولكن لمحدودية الخيارات التي تمتلكها وخصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة المعيشية الحادة وأزمة الانقطاعات الكهربائية وضغوط البنك الدولي وانهيار الروبية أمام الدولار، إلى جانب استمرار عمران خان في استخدام الشارع ضد حكومة شهباز والمطالبات بعقد انتخابات برلمانية مبكرة. هذه الانتخابات إن عقدت فإنها ستكون عبئا ماديا إضافيا على الخزينة الباكستانية والتي قد لا تستطيع الإيفاء بالتزاماتها المادية مما ينذر بتفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية على السواء. سياسيا شهدت الباكستان تطورا محوريا قد يؤدي إلى تغيير المشهد السياسي، عندما اعتمدت المحكمة العليا أمس الأول قرارا بعدم جواز تصويت الأعضاء الذين انشقوا عن حزب عمران خان وانضموا للتحالف الموسع الحكومي قبيل قرار الحجب وصوتوا ضد حكومة عمران مما أدى لسقوط حكومته. حكومة على المحك المراقبون يؤكدون أن قرار المحكمة العليا قد لا يؤثر على حكومة رئيس الوزراء شهباز شريف كون الأعضاء لم يشاركوا في التصويت على حجب الثقة عن حكومة عمران في حينه.. إلا أن التأثير الحقيقي سيكون ضد الحكومة الائتلافية التي يقودها حمزة شهبار في إقليم البنجاب والتي سيؤدي قرار المحكمة لفقدانها للأغلبية في البرلمان الاقليمي حيث صوت أكثر من 20 عضوا منشقا من حزب عمران لمصلحة حكومة حمزة شهباز الابن الأكبر لشهباز؛ الأمر الذي سيقود إلى سقوطها في حالة عدم تمكنها من الحصول على أكثرية البرلمان في تصويت جديد متوقع قريبا من المتوقع أن تسقط فيها الحكومة ويتم إجراء انتخابات مبكرة إقليمية في البنجاب وهو المطلب الرئيس لحزب عمران خان والذي يعتبر الكاسب الحقيقي من قرار المحكمة. شهباز شريف الذي جرى انتخابه في 11 إبريل الماضي رئيساً جديدا للحكومة الباكستانية خلفاً لعمران خان اعترف في أول كلمة ألقاها بعد فوزه أن حكومته ورثت ما سمّاه ب «القارب الغارق»، ويعني بالطبع باكستان التي تواجه مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي جراء حالة غير مسبوقة من الصراع السياسي على السلطة بين فريقين، الأول يقوده عمران خان الذي يتحدث بثقة أنه تعرض لعملية «انقلاب» مدبرة من واشنطن، والثاني تقوده المعارضة التي أضحت الآن على رأس السلطة وتتكون بشكل أساسي من حزب «الرابطة الإسلامية» و«حزب الشعب» بزعامة بيلاوال بوتو زرداري وجمعية علماء الإسلام والحركة القومية والأحزاب البلوشيستانية. أزمات متفاقمة والأزمة السياسية التي أطاحت عمران منصبه لم تكن تتعلّق فقط بفشل أجندته لمكافحة الفساد وسوء إدارة الاقتصاد الذي وصل فيه التضخم حتى 13 %، والذي قاد إلى احتجاجات معارضة استمرت على مدى شهور. بل إن هذه الأزمة، مرتبطة بالطاقة وأسعار الصرف والغلاء المعيشي والقروض. فعلى مدى عقود، أدّى الاعتماد الشديد على الطاقة المستوردة إلى عرقلة مسيرة النمو فيها. وللخروج من نمط الركود المُزمن، تحتاج باكستان إلى المزيد من الطاقة لقطاعاتها الصناعية والمنزلية ولقطاع النقل، وسيحاول شهباز شريف، خلال مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي التي تبدأ نهاية الأسبوع بدراسة التراجع عن الضرائب المدمرة للطاقة المتجددة والتي تم فرضها كجزء من المحادثات السابقة، وبدلاً من ذلك، أن يتم استبدال دعم الوقود الذي تم تقديمه الشهر الماضي. وتخشى الحكومة ردة فعل عنيفة من المواطنين في حال رفع أسعار الطاقة، لكن هذه الخطوة تنذر في المقابل بتعثر مفاوضات الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 6 مليارات دولار. ويعاني المواطنون نقصاً في السلع الأساسية وانقطاعاً متكرراً للكهرباء، ما يتسبب بصعوبات معيشية هي الأعنف في نحو 70 عاماً بفعل الانهيار المالي التي تضررت بشدة من ارتفاع كلف استيراد الوقود والسلع في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. تكافح باكستان لشراء الوقود من السوق الفورية، بعدما قفزت أسعار الغاز الطبيعي المسال والفحم إلى مستويات قياسية.. وقفزت تكاليف الطاقة في الدولة الواقعة في جنوب آسيا ويقطنها نحو 220 مليون نسمة، بأكثر من الضعفين لتصل إلى 15 مليار دولار في الأشهر التسعة ليفاقم ذلك عدم قدرة الدولة على إنفاق المزيد على الشحنات الإضافية. خيارات صعبة وسيكون التراجع عن دعم الوقود حساساً من الناحية السياسية بالنسبة لحكومة جديدة تحاول حشد الدعم الشعبي في وقت يبلغ فيه التضخم 12.7 %. ويمكن القول إن انتخاب رئيس جديد للحكومة قد يكون خطوة فعلاً نحو إنقاذ القارب الباكستاني من الغرق، إلا أن الوضع الاقتصادي التراكمي قد يغرق الحكومة ذاتها الذي بدأت مؤشراته مع خروج التظاهرات المؤيدة لعمران خان في كثير من المدن الباكستانية. وقد يقود ذلك الى الانتخابات المبكرة رغم أن حكومة شهباز أعلنت أمس أنها ستستمر حتى نهاية فترتها نوفمبر عام 2023 رافضة الدخول في انتخابات مبكرة بعد حصولها على دعم الائتلاف الحكومي ومباركة رئيس الوزراء السابق نواز شريف حيث قام رئيس الوزراء شهباز مع عدد من الوزراء بزيارته في لندن لمناقشة الخيارات المطروحة للحكومة.. حكومة شهباز تواجه تحديات تراكمية لإنقاذ القارب الغارق كما وصفه شهباز نفسه. ويخشى كثيرون أن يكون شهباز قد اختار مسارا صعبا للمضي لسنة ونصف كاملة للإنقاذ في ظل صراعات موازين القوى السياسية والعسكرية التي تخشى في انزلاق باكستان نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، وثمة حاجة لتحرك عاجل لإنقاذ اقتصاد باكستان سريع النمو وتسعى الحكومة لاقتراض مليارات من حلفاء وجهات إقراض دولية.