لا تستغرب إذا ذهبت إلى إحدى عمارات مدينة جدة، بحثاً عن مكان تسكن فيه مع أسرتك، فتجد في استقبالك لافتة عريضة مكتوب عليها "الإيجار للعرسان فقط"، أو تجد أحد ملاك العقارات وهو في قمة الجدية، أن الشقق الموجودة لديهم متاحة للمقبلين على الزواج فقط، حتى يرتاحوا من "وجع دماغ" ولعب الأطفال! المسألة بصراحة زادت عن حدها، البعض لم يكتف باستغلال حاجات الناس، والمتاجرة بالظروف الاستثنائية التي تعيشها مدينتنا، في ظل إعادة تطوير العشوائيات وإزالة المناطق القديمة، ورفعوا أسعار الإيجارات بصورة جنونية وغير مسبوقة، وصلت في بعض الأحيان إلى 200 %، تصوروا أن شقة ثلاث غرف في بعض الأحياء زاد سعرها من 25 ألف ريال إلى 48 ألف خلال أشهر قليلة فقط، وشقة في حي آخر قفز إيجارها من 30 ألفاً إلى 50 ألفاً. لم يتوقف الأمر عند هذه الزيادات، بل وصل إلى طلبات تعجيزية تكشف عن جشع واستغلال مستغرب، فالبعض لا يتوقف عند قصة التأجير ل"العرسان فقط" ويزيد على ذلك باشتراط الحصول على مقدم إيجار لعام أو عامين، فعلاً الموضوع تحول من "استثمار" إلى "استغلال"، والعلاقة بين المالك والمستأجر لم تعد عادلة أو متكافئة، فهناك طرف يشعر بالوهن والضعف في مجابهة المطالب العديدة والاشتراطات الظالمة المفروضة من الطرف الآخر. وإذا كانت العلاقة التجارية في أي مجتمع يحكمها العرض والطلب، فإن الروابط الوثيقة المتداخلة بين أبناء هذا الوطن الحبيب، تجعل الارتفاع الكبير لأسعار الإيجارات الذي تشهده "جدة" في الآونة الأخيرة أمراً يصل لدرجة الاستفزاز، أتفهم أن ترتفع الأسعار بنسبة 10 أو 15 % أو حتى 25 % لكن أن يتضاعف الرقم خلال فترة وجيزة فالأمر غريب ومزعج. الاستغلال الذي يمارسه البعض في قضية الإيجارات بجدة لا يختلف عن قضايا عديدة قطعنا شوطاً كبيراً في مكافحتها والقضاء عليها عبر قوانين حازمة، والأمر يحتاج إلى تدخل عاجل من الجهات ذات العلاقة حتى نحافظ على المكتسبات التي حققناها في السنوات الماضية، خصوصاً في قطاع الإسكان الذي شهد تحولات كبيرة . أتصور أننا بحاجة ماسة إلى برنامج وطني لمكافحة الجشع والاستغلال في الايجارات وأشياء أخرى، وتدخل صارم يلزم من يتاجرون بسكن البسطاء بالتفكير ألف مرة قبل أن يضعوا هذه الشروط التعجيزية.