ثارت ترسانة الهجمات الإلكترونية المتطورة في بيونغ يانغ اهتماما ورد فعل دولي أقل بكثير بالمقارنة مع ما أثارته أسلحتها النووية والصاروخية، رغم استخدامها مرارا في هجمات استهدفت حكومات ومؤسسات مالية وصناعات، بحسب ما قاله المحلل السياسي بروس كلينجنر، وهو أحد كبار الزملاء في مركز أبحاث الدراسات الآسيوية التابع لمؤسسة "هيريتيدج" البحثية الأميركية. وقال كلينجنر في تقرير نشرته مجلة "ناشونال انتريست" الاميركية، إن كوريا الشمالية شنت حرباً إلكترونية لسرقة أسرار عسكرية سرية، واختلست أموالا تقدر بمليارات الدولارات، مضيفا أن الاستخبارات الأميركية تقوم بتقييم بيونغ يانغ بوصفها واحدة من أكبر أربعة تهديدات إلكترونية قادرة على شن "هجمات إلكترونية تخريبية أو مدمرة" ضد الولاياتالمتحدة، حيث أنها يمكن أثناء الأزمات أن تلحق أضرارا جسيمة بالشبكات المالية والبنية التحتية ووسائل النقل والجيش وشبكات الكمبيوتر الحكومية. وفي البداية، ركز النظام على عمليات التجسس الإلكتروني من أجل سرقة المعلومات والهجمات الإلكترونية، لتعطيل أو زعزعة استقرار الشبكات المتعلقة بالدفاع الوطني ومحطات الطاقة النووية والبنية التحتية والاتصالات والإعلام والشركات. ولكن، بينما قامت كوريا الشمالية بتحسين مدى تطور عملياتها الإلكترونية، في الوقت الذي تدهور فيه وضعها الاقتصادي، أعطى النظام أولوية للجرائم الإلكترونية من أجل التهرب من العقوبات الدولية ولكسب الأموال من أجل البرامج النووية والصاروخية. وأوضح كلينجنر، الذي شغل في وقت سابق منصب نائب رئيس قسم كوريا بوكالة المخابرات المركزية، أن بيونغ يانغ بدأت بشن هجمات على المؤسسات المالية التقليدية، مثل البنوك، والخوض في عمليات تحويل احتيالية بين البنوك وسرقة ماكينات الصرف الآلي. وبعد أن لاحظ المجتمع الدولي هذه الهجمات وقام بتحسين الدفاعات، تحول النظام إلى استهداف بورصات العملات المشفرة. وتعد الهجمات الإلكترونية أكثر كفاءة وربحا وفعالية من حيث التكاليف، بالمقارنة مع الأنشطة السابقة غير المشروعة في بيونغ يانغ، مثل تزييف العملات والتهريب والأدوية المغشوشة. كما أن الهجمات الإلكترونية التي يقوم بها النظام تعتبر عالمية في نطاقها، وتوفر عوائد ضخمة بالنسبة للاستثمار، بالاضافة إلى كونها قليلة المخاطر بسبب صعوبة اكتشافها، كما يضعف احتمال تسببها في فرض عقوبات دولية. وكانت عملية سطو إلكتروني من جانب كوريا الشمالية على أحد البنوك في عام 2016، اسفرت عن اختلاس 81 مليون دولار، وكان من الممكن أن يزيد 850 مليون دولار أخرى على المبلغ لولا أن لاحظ مسؤول مصرفي وجود خطأ مطبعي في طلبات التحويل المصرفي الاحتيالية. أما في عام 2019، فقد حققت كوريا الشمالية مكاسب بقيمة 2 مليار دولار تراكمي من خلال الهجمات الإلكترونية، بحسب تقديرات فريق من الخبراء التابعين للأمم المتحدة. ولم تنته موجة عمليات الاختلاس الالكترونية بعد، حيث تمكن قراصنة الانترنت الكوريون الشماليون من سرقة ما لا يقل عن 400 مليون دولار من العملات المشفرة في عام 2021. وفي أبريل الماضي، أعلن مكتب التحقيقات الاتحادي الامريكي (إف بي آي) عن قيام قراصنة إنترنت من كوريا الشمالية بسرقة 620 مليون دولار من العملات المشفرة من شركة ألعاب فيديو. وبحسب تقديرات بعض الخبراء، فإن بيونغ يانغ قد تحقق أرباحا تصل إلى مليار دولار سنويا من عمليات السرقة الإلكترونية. وبحسب مجلس الأمن الدولي، فإن الإيرادات التي تأتي من خلال هذه العمليات الاحتيالية تستخدم لتفادي العقوبات الأميركية ودعم برامج التسليح والصواريخ الباليستية في كوريا الشمالية، بحسب كلينجنر. إلا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو احتمالية أن تتسبب بيونجغ يانغ في إلحاق ضرر أكبر في حال تعرضت شبه الجزيرة الكورية للأزمات أو لأي هجمات عدائية من الخارج، حيث أنه من الممكن أن تقوم كوريا الشمالية بشل أنظمة البنية التحتية الحيوية مثل الاتصالات والسدود والشبكات الكهربائية والمستشفيات ومحطات الطاقة النووية وسلاسل التوريد وأنظمة التحكم في حركة المرور. وقد استهدف قراصنة كوريا الشمالية شركات السكك الحديدية وشركات الطيران، التي تتضمن نظام التشغيل الآلي الذي يتحكم في سرعة القطارات. وقد قام قراصنة الانترنت بالفعل بتشويش إشارات نظام التموضع العالمي (جي بي إس) الخاصة بشركات الطيران، وقد يسعون إلى السيطرة على أجهزة التحكم في الطائرات. كما يمكن أن تشارك بيونغ يانغ في حرب اقتصادية لسرقة كميات ضخمة من الأموال، أو تقويض استقرار النظام المالي الدولي أو الأسواق العالمية، حيث يمكن للنظام أن يقوم بشن هجمات على البنوك بغرض الحصول على فدية من أجل كسب المال أو لتعطيل شبكات الكمبيوتر أو تدميرها.