يعيش كل منا حياته بمشاعر متباينة بين فرح وحزن، وحب وكره، ونشاط وملل، وتجدد وروتين، بين التفاؤل واليأس، والغضب والرضا والراحة والتعب، وطول الأمل وقرب الأجل! بين قرب وبعد، وتنقل واستقرار، وصعود ونزول، بين عملقة المواقف وتقزيمها، وفراغ الفؤاد وامتلائه، ووهن الروح وقوتها... مسارات عجيبة موجودة جميعها في النفس البشرية والجسد الضعيف! "وخُلق الإنسان ضعيفاً". إن هذا التباين الذي يراه الناس، كل الناس يذكرك بمكونات الكون: الأرض والجبال والأنهار والبحار؛ وكأنك ترى البشر في تضاريس نفسية بين جبال الشموخ والتفاؤل، ووديان الضعف والتكاسل ومحيطات العطاء والبذل وصحاري البخل والشح بين بساتين الوفاء وجدب الجحود، بين أفياء الحب والمودة ورمضاء البغض والكره، بين أوهن التفاصيل وأقواها تجد نفسك في ربيع العمر ثم ما تلبث أن تغشاك فصول الحياة الأخرى؛ شتاؤها وصيفها وخريفها. أحداث كثيرة تراها في اليوم الواحد ومشاعر متداخلة تغمرك في اللحظة ذاتها وردود فعل متباينة تنتابك وأنت ترى من حولك يسيرون إلى حيث يقصدون أو لا يقصدون فلسفة قد يعجب كثيرون حين يتأملونها ولكنها حقيقة من حقائق الحياة التي لا ندري إلى أين؟ ولا كيف ستكون تفاصيلها. العجيب أنك في تضاريس الكون ترى الجبال منفصلة عن البحار، والأشجار تحيط بها الأنهار، والأحجار قد يتطاول منها الشرر وقد تنفجر منها الأنهار، كل ذلك بعظمة الخالق جل وعلا؛ ولكن تضاريس النفس البشرية ترى كل شيء في مكان واحد، وكأنك في نقطة تجمّع واحدة تتطلب إدارة حشود مشاعرك لتكون وفق ما يقتضيه الموقف منك حتى لو لم تكن أنت كذلك. ألست تضحك أحياناً وفي عينيك دموع؟ وتتبسم وفي قلبك حسرة! وتتغاضى وفي حلقك غصة!! وتهز رأسك بالرضا ونفسك تصرخ بالرفض. ألست تشرب ماء عذباً، وفي مرات تشعر وكأنك تتجرع ماء حميماً يقطع الأمعاء!! ألا ترى أن معدتك قد تحتج على دخول بعض الأكل حينما تُلزمها وهي لا ترغب فيه؛ فتخرجه وتقذفه خارج جسدك وكأنها مسؤول أمن يمنع من لا يحق له الدخول من العبور، فإذا ما دخل أخرجته مهما ترتب على خروجه من الألم والأذى. يا الله أشياء عجيبة نعيشها ونراها ونشعر بها ونلاحظها في أنفسنا أو عند أولئك الذين نخالطهم بين فينة وأخرى ولكننا أحايين كثيرة نكتفي بالتأمل حينما لا نجد تفسيراً شافياً كافياً لكل ما حولنا؟ (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) إن التضاريس النفسية بحاجة ماسة إلى تشخيص وتنفيس، ودراية ورعاية، ومعرفة كثير من التفاصيل التي يحتاجها أولئك الذين يرون أنفسهم مختصون نفسيون أو خبراء شخصية أو معنيون بالتنمية البشرية أو مهتمون ببناء المجتمعات وتشييد الحضارات والجغرافيا السكانية، وصياغة التوجه الجمعي، وتوجيه الرأي العالمي، وتأسيس الصورة الذهنية. إن الفهم الصحيح لذلك والقدرة على التعامل معه بواقعية وإيجابية وتوظيفه في صياغة الخطط الوطنية الاستراتيجية يجعلنا نحظى بمستوى مرتفع من الصحة النفسية والمشاعر الإيجابية والرضا وجودة الحياة الكريمة التي يطمح لها الموفقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.