ثمة أمورٌ تُقاس كما يُقاس القماش أمتارًا، وكما يُوزَن الطحين أكيالًا.. ولكن بعيدًا عن مطالب الحياة، ومعالجة الهموم الشخصية، ومراعاة المشكلات التي نتعرض لها، ويتعرض لها غيرنا في مسارنا اليومي من عبء الحياة، ونقص الاحتياجات الخاصة؛ فإن هناك أمامنا دروسًا نافعة، وواقعًا صادقًا، يحتاج منا إلى وقفة تأمل.. عام ميلادي جديد بعد مضي ربعه الأول؛ يفصِل نهاية خطة رسمناها لحياتنا، عن بدايتها.. فهل نحتاج إلى إعادة رسم خطة جديدة؟ أم نحتاج إلى ترتيبٍ فقط لبعض الأمور الحياتية حتى تصبح شيئًا مميزًا، وكيانًا جديداً، وطاقة لم تكن لها من قبل؟ نحتاج إلى وقفة وثباتٍ لنستكشف ما بدواخلنا؟! فإذا سردتُ شخصيًّا ما تحقَّق لي من أحلام في العام الماضي، وأمنياتي للعام الجديد؛ فإنني أقِفُ لحظةَ صِدق مع الذات، بأن ما تعلمته في الماضي -إنْ كنتُ تعلمت شيئاً- فهو: الرضا باكتشافاتي لتلك الذات، ومساعدتها على التخلص من جميع العوائق التي يسعى بعضنا إلى تجميدها داخلي، لأكون كقطرة جمَّدَها الزمن! شعرت أني مع تلك الذات في رحلة خيالية أمامها منعطفاتٌ مذهلة، وعلى جانبَيها صخور مبعثرة، وعرائشُ متشابكة، لتذكّرني بأنْ أظلَّ متيقظةً، ولا أسهو ولو قليلا، لأصِلَ إلى تلك القمة هناك في الأعلى، وكأننا على قمة جبل تَسلب ألبابَنا مناظرُ خلابة، يصعُب علينا وصفُها لمن تقاعسوا عن الوصول إلى الأعلى!؟ كذلك؛ حينما نحقق ما نريد تحقيقه من أهداف؛ فإننا نكون قد حققنا نجاحًا كبيرًا يصعُب علينا وصفُه أيضا! من هنا؛ أصبَحتُ أفكّر على نحو أفضل أيضاً، فقد تعلمت من الزمن الذي يمُرّ، ومن الأشخاص أيضاً تعلمت شيئاً كثيراً.. حيث لم يكُن مرورُهم أمامي مرورَ الكرام.. بل تعلمتُ منهم حياة جديدة وكأنني أعيشها أولَ مرة، لأن التجارب مع الناس باختلاف شخصياتهم وسلوكهم؛ تمنحك قوة لمواجهة كثيرين، خاصة أولئك الذين لا يريدون سوى بُنيان الجدران حولك.. «عجيبة هي الدنيا»، لم أشأ إلا أن أرسِّخ دعماً أكثرَ قوةً لمواجهة كل مَن يحاول زعزعة أمني، واستقراري، نعم.. شيَّدتُ حِصنًا مَنيعًا حولي، يصعُب أن يهزِمَني أحد، مهما كانت قوةُ طوفانه!.. عضُدُي هو ربي؛ عليه توكلت، وهو نَصِيري، وثقتي به عظيمة، فمن كان مع الله؛ كان الله معه.. تيقنت أنه دائماً بمعيتي، ولن يتخلى عني، وإن تخلى عني مَن في الأرض جميعاً!.. توكلت على الله ربي، وفوضتُ أمري إليه، واستشعرت أنه قريب مِنّي قُرْبَ رُوحي من نفسي، وأنه كريم يُعطي بعدد مكاييل البحار، وعدد قَطر الأمطار.. أتقلب في نعمة هي من أعظم النعم عليّ؛ ألا وهي: الرضا، ولم أزَلْ أتقلبُ فيها وفي يقيني دائماً مما تعلمتُه من تلك السنة التي رَحَلت: بأن المسلم مهما عصَفتْ به الرياح، وخذله مَن وثَق بهم، وأرهقته تصرفات بعضِ الخلق، ومهما حدث؛ فإنه – مع صدق التوكل على الله، والثقةِ به سبحانه-؛ سيصمُد في وجه عاديات الزمن، وسيستقبل عاماً جديداً يملأه التفاؤل بأن ما يرجوه سيتحقق بإذن الله.