تلجأ بعض الدول إلى بناء عاصمة إدارية جديدة لها، خارج المدينة القديمة، وذلك عندما تجد أنها قد ضجت بالسكان، وازدحمت بها شبكة النقل، وشاخت مرافقها وبنيتها التحتية، حيث تتجه إلى الأخذ بالخيار الأقل كلفة، وهو الابتعاد عن الوضع القائم المكبل بتلك الظروف والبحث عن موقع يجمع جهازها الإداري الحكومي في حيز واحد تتوفر فيه شبكة المرافق والخدمات الحديثة والمباني المهيأة التي تتيح لها العمل بكفاءة، تحيط بها الأحياء السكنية، إضافة إلى القطاعات غير الحكومية التي تتكامل معها. أحدث هذه الدول هي إندونيسيا التي ترغب باستبدال عاصمتها «جاكرتا»، بمدينة جديدة هي «كاليمنتان»، بسبب الازدحام المروري الشديد في الأولى. سبقتها في ذلك مصر التي أعلنت عن عزمها بناء مدينة جديدة شرق القاهرة، وشرعت في تنفيذها لتكون عاصمة إدارية، وذلك بهدف تخفيف الازدحام المروري في قلب القاهرة. ولا ننسى في هذا المقام التجربة الأكثر شهرة في هذا الجانب وهي مدينة برازيليا التي تأسست في الستينات لتكون العاصمة الوطنية الجديدة للبرازيل المدرجة حالياً ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وغيرها من الدول التي يربو عددها عن الثلاثين دولة حول العالم التي تبنت هذا التوجه والأخذ بهذا الخيار. ما يطرحه البعض تأثراً بتلك التجربة العالمية ومؤخراً المصرية، هو اقتراح أن يتبنى هذا الخيار في تطوير العاصمة الرياض التي تعاني من الازدحام المروري نتيجة نموها السكاني المطرد. وهو الطرح الذي واضح أن من يؤيده يغيب عن ذاكرته أن مدينة الرياض كانت من بين من خاض هذه التجربة مبكراً، حين صدر الأمر الملكي عام 1377ه بأن تنتقل الوزارات من المنطقة الغربية لتنضم إلى الوزارات التي مقرها الرياض، وبناء ما أطلق عليه حينها «الرياض الجديدة» في منطقة الملز الواقعة شرق المدينة ضمت مباني الوزارات على جانبي طريق المطار القديم، إضافة إلى «مدينة الموظفين» التي شيدت لإسكان العاملين في تلك الوزرات، وكانت مدينة الرياض بالكاد يتجاوز عدد سكانها (120) ألف نسمة. وبالرغم من النتائج الإيجابية العديدة التي تمخضت من تلك التجربة، إلا أنها لا تخلو مما يقابلها، خاصة ما ألقته من ظلال على الجزء القديم من المدينة منذ ذلك الوقت - وربما - إلى اليوم في عدم الحصول على حصته العادلة من التطوير، وكذلك نشوء بعض الاحياء العشوائية التي تمت ولله الحمد معالجتها فيما بعد، وذلك بعد أن أصبحت هذه العاصمة الإدارية الجديدة نقطة جذب سكاني نتيجة ما توفره من فرص العمل، لذلك جل ما يخشاه البعض من العواصم الإدارية الجديدة هو أن تمثل العنوان العريض للهروب من المشكلة بدلاً أن تكون الحل الأمثل لها؟!