مع ساعات رمضان المجبولة على السكينة، يبدو الإقبال على القراءة والانطلاق منها إلى إجابات متعددة لأسئلة ربما صمتت طويلاً مع ضغط الرتابة والانشغال عنها، فعلاً تلقائياً، نمرّر به الوقت، والقراءة على المستوى العام سفر الذات نحو المعرفة فهي كما يقول أجدادنا تعظ العاقل وتنبه اللبيب وترفع الجهل عن النفس وتأخذها لمساحات أوسع من اليقين كذلك يؤكد أجدادنا على أنها تهذيب للنفس وتدريب للسان وتنمية للعقل.. وغيرها من قائمة طويلة من الفوائد المتوارثة التي تقدمها أقوال القدماء ونستشعرها على مدى تاريخنا الإنساني.. حتى على مستوى الدين معجزتنا القرآن كان أوله دعوة آمرة وصريحة للقراءة.. إذن في آخر الأمر نحن إزاء بوابة خالدة تأخذنا في رحلة إلى الوجود نتدبّره بتفكير معرفي أشبه بسلّم يأخذنا إلى الحقيقة مع تتابع درجاته. كل هذه المقدمة كما يبدو لا جديد فيها يذكر إلا قديما يُعاد ويتكرر، ويحتاج منا إلى وعي حقيقي به وترويضٍ مجهدٍ للنفس كي يتّسق فعلها مع هواها، وانشغالها بالراحة مع جعل القراءة ذاتها أريكة نسترخي عليها بين تعبٍ وآخر.. لكن الجديد في الأمر هنا تعدد وسائل القراءة في هذا الزمن الذكي نسبة لأجهزته الذكية التي يرتديها وقتنا المزدحم بالفراغ غالبا زيًّا رسميًا له، ولكل منها صبغته وآلياته، ومع تنوّع هذه الوسائل وتعدد صبغاتها القرائية، يبقى الكتاب وحده الذي تجتمع فيه الثقة والخلود معا فالكلمة بين دفتي كتاب آمنةً على تاريخها واثقة من حضورها كشاهدٍ على زمنها ومعترفةً لمنشئها بالخلود والتداول، فالكلمة التي تتحمّم بالحبر تتنشّف بشمس الحضور الواثق وتعرض على شاشة العيون الباحثة عن مساحة آمنة من الضوء لا يعتريها التغيير ولا يزيدها مرور الأيام إلا تمحيصًا ومراجعة، في حين تبقى الكلمة عبر وسائل القراءة الأخرى ولاسيما الالكترونية منها شائعة كثيراً لكنها مرتبكة وآيلة للزوال دائماً، إذن نحن في آخر الأمر أمام وسائل قرائية متعددة وتلقائية في حياتنا اليومية لكل منها تأثيرها وحضورها ومصداقيتها ولا يتبقّى لنا في آخر الأمر إلا أن نربّي أنفسنا وأبناءنا على خلق السؤال لا على تقديم الإجابات فالإجابة أوفر من السؤال والمقروء حياة نتعاطاها وإجابات نتداولها حتى وإن لم نعيها أو نجيد قراءتها هي الأخرى.. فاصلة: هب أنك الأبديّ هل تحتاجُ عمرًا آخرَ تحياه لا... لا شيء يغري الريحَ إلا أنها تهب الرمال السمرَ رقصتها وترحل للغيوم..!