✒الحمد لله الذي هدانا لطريق العلم والقراءة، ثم الصلاة والسلام على من نبئ باقرأ فأنار العالم باقرأ، وعلى صحبة الكرام ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. ثم أمّا بعد، إنّ المتبصّر لحال شباب وفتيات الأمة في هذا الزمن يكاد يجزم باندثار تلك المقولة البائسة: (أمة اقرأ لا تقرأ)، وذلك بملاحظة النشاط القرائي الكبير على وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي خاصة، وكذا ما يشاهده الزائر لمعارض الكتب المقامة محليًا ودوليًا، تعجُّ برامج التواصل بالتحديات القرائية والمنافسات الدورية ونشر الاقتباسات المنمّقة في شتى الفنون والمجالات. ثم هناك على شاطئ زمنيٍّ بعيد، عائدين إلى ثلاثة عقودٍ زمنية وأكثر، نرى أنّ مصاحبة الكتب كانت حكرًا على روّاد الجوامع وحلق العلم أو أولئك الدارسين في المعاهد والجامعات النخبويّة وبعض قراء المجلات الفكرية والاجتماعية وتلاميذ العلماء والمفكرين والأدباء، حيث اتّسمت تلك الحقبة بقلّة القُراء مع عمق قراءاتهم مع وجود منهجيةٍ قرائيةٍ محددة يسيرون عيها متدرجين في سلّم الطلب والقراءة، وسيادة مسألة المشورة وأخذ الرأي من الأستاذ والمتخصص بسؤال: ما تقولون بمؤلفات فلان ؟، وما توجيهاتكم لطالب العلم المبتدئ ؟...، ونحو تلك الأسئلة المعينة على التسلسل العلمي دون ذوبانٍ تبعيّ ولا تصخّرٍ استقلاليّ، ما كان سببًا في بزوغ قامات فكرية قادرة على قيادة الفكر والثقافة والمجتمع بأسلوب علمي منهجي رصين دون تصعّر من مقابلة قضايا المجتمع. وعلى النقيضِ ربما هو حال قارئ اليوم، السائرِ في قراءته بغيرِ منهجيةٍ مرسومة ودون مشورةٍ واهتداءٍ برأي أولي العلم الأسبقين، حتى بات قارئ اليوم تتلقّفه لافتات الأكثر مبيعًا وأضواء منصات التوقيع وآراء Goodreads، وصورة اقتباسٍ من كتاب بجانبِ كوب قهوةٍ بارد "لأن المصوّر أخذ زمنًا طويلًا من أجلِ إخراج صورته"، لم تعد القراءة في زماننا حكرًا على أحد، بل هي عامة للجميع فوسائل القراءة والعم في كف كل إنسان قادر على فك رموز الحروف، فقارئ اليوم؛ تجده ابن الخمسة أعوام في عالمِ القراءة ،وعند طرح بعض القضايا الجوهرية يرحل ثانيًا عطفِه عن دائرةِ النقاش لأن ما يحويه فكره غير قادر على البيان والتبيين في تلكم القضية-. ثمّ لقربي من ميدان القراءة والقُراء، آثرت التطرق لمثل هذا الموضوع والذي أعاني منه أنا شخصيًا، فغياب القدوة لدى الكثير من القراء سببًا عظيمًا لإحداث مثل هذه الشروخ لإحداث الفوضى القرائية والمؤدية بداهةً لعموم الفوضى الفكرية بعد زمنٍ من القراءة على غير هدىً ونور. ولعلّ تعدد مشارب القراءة وبرامجها ودور النشر والأنشطة والمنافسات هي دعام لزيادة تلك الفوضى، مع عدم إهمال تلك البرامج المنهجية الرائدة في فنون محددة والتي يقوم على خيرة مباركة من المتخصصين، ولكن الحاجة ملحّة لتصميم برامج قرائية تخدم كافة الفنون والمجالات ثم التدرج فيها للخروج بعقلية ثقافية موسوعية شاملة، تكون عونًا للمشارك إلى الاهتداء للفن المرغوب المتوافق مع قدراته وميوله واهتمامه، ليبدأ رحلةً أخرى هي أعمق متدرجًا ومتخصصًا في فنّه ومجاله. وتتنوّع الفوضى القرائية في درجتها وحدتها ومستوى تأثيرها على القارئ تبعًا لعدة أمور: طبيعة ونوعية الكتب المقروءة، وكذا طبيعة التفكير التي يمارسها القارئ أثناء قراءته ومهاراته التحليلية والتطبيقية والاستقرائية، وخلفيته الثقافية ومرجعيته في الحكم والتحليل. ولعلّ خير ما يمكن أن أختم به هذه السطور، هو سؤال: مالحل الأمثل للتخفيف من عواصف فوضى القراءة على عقول وعواطف الشباب والفتيات؟، وكثيرًا ما يردنا أو نسمع سؤال أحدهم: ماذا أقرأ؟، واجبنا كبير لتقديم الأفضل للإجابة على سؤاله والاستجابة لرغبته وإشباع فضوله دون تحيّزٍ أو إقصاء. وحدها برامج القراءة المحكّمة في تصميمها من قبل الخبراء والمختصين القادرة على مد يد العون لأولئك العائمين في فوضى القراءة بعد عون الله تبارك وتعالى. وإلى ذلكم الحين الذي سترى فيه برامجًا قرائية محكَمة ومحكّمة، أوصي كل راغبٍ في الشفاء من فوضاه القرائية، بالقراءة في سير العلماء والتعرّف على طريقتهم وتدرجهم في الطلب، فهم مدرسة بشرية جيدة ومتميزة مع ما فيها من قصور يتوجّب التنبّه لبعض ثغراته، ثم استشارة ذوي الاختصاص في عالم القراءة العامة والتخصصيّة، ثم أوصي باقتناء كتاب كيف تبني ثقافتك؟ للعمري، وكتاب نماء منهج بناء الشخصية من الرضاعة إلى ما بعد الجامعة، وكتاب عاشق لقرني، وأخيرًا؛ أهيب بتميّز بعض البرامج التخصصية كصناعة المحاور مثلًا وأكاديمية المجد العلمية ومنصة زاد وغيرها. والله الهادي إلى سواء السبيل,,