التقوى كلمة قليلةٌ الحروف سهلة النطق لكنها ذات معانٍ ودلالات كبيرة، هي كلمة ينطقها الكثير ويدعو إليها كل خطيبٍ وكل داعية وكل أحدٍ من الناس ولكن من يعمل بتلك الكلمة قليل. نسمعها كثيراً على منابر المساجد ووسائل الإعلام المختلفة ولكن نفتقدها بين التعاملات بيننا وفي كافة شؤون حياتنا. من يغش الناس ويخادعهم ومن يأخذ المال العام من غير حلّه، ومن لا يفي بالعهد ولا يصدق في حديثه، ومن لا يخفى له طمع أو خِيانةٍ.. إلخ والقائمة تطول بنا ولا يتسع المقام لذكرها. في آخر الزمان يكثر القراء والخطباء ويقلّ الفقهاء العاملون، فالكثير منا نحنُ يجيد ويتفنن ويتقن عُذوبة المنطق والكلام بامتياز وبالمقابل حين تتعامل معه وجدته مفلساً من الأمانة والصدق والوفاء وعصرنا الحاضر شاهد على ذلك. أحدهم طلب سلفة مالية من إنسان يعرفه ووعده بأنه سيعيد له المال في الشهر الذي يليه ويحلف على ذلك، ولكن خرج ولم يعد، وأحدهم استعار كتاباً وأقسم أيضاً أنه سيعيد ذلك الكتاب بعد أيام قليلة ومعدودة ولكن خرج ولم يعد، وقيسوا على ذلك الكثير وهذا غيض من فيض، وما خفي كان أعظم. هناك عدد ليس بالقليل منا إلا من رحم الله أبدع وتفنن في أساليب الغش والنّصب والخداع في أي مجالٍ كان سواء في الأمور المالية والاجتماعية وحتى مخادعة الناس في أمور دينهم واستغلاله لأجل دنيا أو جاه أو منصب وما شابه ذلك. أنا لست داعياً إلى التشاؤم بسبب وجود مثل هذه الحالات المريرة فالأمة لا يزال فيها خير كثير بإذن الله، ولكن بلا شك الكثير منا مفلس إن جاز التعبير من الصدق والأمانة والوفاء بالعهود وسلامة الصدر والنية الطيبة وغير ذلك وهذا نسمع به ونشاهده ونحس به بين تعامل بعضنا ببعض، وطبعاً لا نعمم. في اعتقادي الشخصي الآن أن الغريب الحقيقي ليس من يتغرب عن وطنه بل من يرزقه الله الصدق والأمانة والوفاء لأنها أصبحت أخلاقاً نادرة الحدوث بين معاملات الناس فيما بينهم إلا بحسب المصالح. وصدق الله العظيم القائل (يا عبادِ فاتقون..). الآية، فلو طبقناها في حياتنا كلها تطبيقاً عملياً لانتهت كافة مشكلاتنا وتعدلت سلوكياتنا لأن ديننا يهدي للتي هي أقوم.