كرم الله سبحانه وتعالى عباده بشهر فضيل ميزه عن بقية الأشهر وجعله مناسبة لإعادة تقييم الذات ومعالجتها وتهذيبها، وإعادة تقييم الحياة الاجتماعية التي أصبحت على المحك في ظل الظروف والتحديات اليومية التي يواجهها كثيرون. لاشك أن الإسلام جاء لخير الإنسان، وأنزل القرآن شفاء ورحمة للعالمين، وشرع رمضان الذي أنزل فيه البيان ليكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ولا جرم أن شهر الله الفضيل يعود كل سنة ليذكر المسلمين برسائل جمة على رأسها تفعيل الحياة الاجتماعية عبر الكثير من النشاطات خاصة التي تتعلق بالتكافل الاجتماعي لأنه يترك أثراً طيباً على المستوى الفردي والجماعي. إن القول إن شهر رمضان هو عبادة قائمة على حرمان النفس عن الأكل والشراب هو تفسير سطحي لا علاقة له بالمفاهيم الحقيقية للشهر الفضيل، فهو شهر كرم الله به هذه الأمة، وزرع فيه مجموعة من القيم الاجتماعية التي تضبط سلوك الإنسان، فدعا إلى أهمية عيادة المرضى والحرص على زرع التفاؤل وإعادة الأمل إلى قلوبهم، إضافة إلى تفعيل روح المبادرة والتعاون الذي يشكل عصب الحياة الاجتماعية في جوهر تعاليم الإسلام، فقد قال المولى عز وجل:"المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"، فهذه الآية بمثابة دعوة ربانية للتكافل وتكريس العمل الاجتماعي، لذلك من المهم جداً تدريب النفس وتعويدها على المسارعة إلى عمل الخير من خلال الكثير من المساهمات والإعانات سواء كانت مادية أو معنوية من شأنها رفع منسوب التكافل الاجتماعي. لاشك أن الصيام يعلمنا الصبر ويذكرنا بأولئك الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم ولا طعام يشبعون به جوعهم، ومن المهم جداً العودة إلى هذه المفاهيم العميقة لشهر رمضان والخروج من الفهم النمطي له حتى نحقق ونكرس المبادئ التي دعانا الله لإحيائها في هذا الشهر الفضيل ليكون صيامنا مكتملاً متكاملاً، وما يمكن أن ننبه عليه أن المسلمين في العقود الأخيرة التي شهدت تطوراً وانقلاباً تكنولوجياً أثر ذلك على نمط حياتهم وأنساهم الكثير من الأخلاق التي يجب أن يتحلوا بها في هذا الشهر وغيره من أيام السنة، وللأسف تفشت الأنانية وغابت مظاهر التعاون والتعاضد التي تعكس جانب الخير والرحمة اللتين يفترض أن يتحلى بهما المسلم، في وقت نشاهد فيه عدد المشردين والفقراء في تفاقم مع تراجع الكثير من أعمال الخير، لكننا مازلنا نؤمن بأن الخير في هذه الأمة باق مهما مرت بها العواصف والمدلهمات، ونحن بأمس حاجة إلى العودة إلى قيمنا الأخلاقية ورمضان فرصة مهمة لنطهر قلوبنا ونقوم سلوكنا ونتحرى الصدق في أعمالنا ونقبل على أعمال البر ومساعدة المحتاجين لإنعاش المجتمعات التي أصابتها الترهلات والكدمات، ونحن على ثقة أننا سنرى وجوه الخير تتجدد وتشرق من جديد على هذه الأمة.