الحمد لله سبحانه وتعالى العلي العظيم، خالق كل شيء خلق الزمان واصطفى منه شهرا للبركة أنزل فيه رحمته ويغفر لعباده ويعفو عنهم ويعطيهم فرصة للتقرب إليه حيث ميزه وفضله عن سائر أيام الدهر وخصه بهبة منه ورحمة منه تعالى بعباده ففي آخر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصح للناس عن رمضان فيعلمهم من فضائله ومنها أن أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ومنها أن من يسر على المسلمين صيامه عتق من النار وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار في رمضان والتوبة كما يسأل ربه الجنة ويتعوذ به من النار. ومن أهم فضائل رمضان أن الله تعالى كرمه وخصه بعبادة اصطفاها من سائر العبادات ونسبها إليه تعالى ففي الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) فأي تشريف هذا لعبادة هي لله تعالى لم يحدها بأمر معين بل وعد بأن يجزي بها ويكفي به تعالى أن نعلم أنه تعالى يضاعف حتى مائة ضعف، بل سبعمائة ضعف الحسنات {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} صدق الله العظيم، فما بالنا إذا كان يجزي بعمل هو لله تعالى؟! سبحانه يجازي الصائم بلا حدود من فضل كرمه ويحط من أخطائه وفي ذلك يقول سفيان بن عيينه (إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى إذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم). فالصيام يا إخواني هو لله تعالى لأنه لا يعلم سر الصائم إلا الله فهي عبادة بين العبد وربه فليس الصيام الكف عن الطعام ولكن بتقويم النفس وكفها عن المعاصي وذكر الله تعالى والتقرب إليه بالأذكار والاستغفار والدعاء والتلاوة ليلا ونهارا نستغل هذه الأيام العظيمة التي يتضاعف بها الأجر لنغتنم الفرصة كل ما نستطيع عمله. الصدقات، الخروج في سبيل الله تعالى، الجهاد، دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، بذل الجهد والوقت والمال والصحة، فلا وقت للراحة حتى لا نضيع علينا من أفضال وبركات الأعمال بهذا الشهر الكريم ولنكن عند حسن ظن ربنا بنا فكيف بعبادة هي لله تعالى؟؟!! لقد كان رمضان دوما شهر بركة وخير للمسلمين فانتصروا في بدر بعد العصر في يوم السابع عشر من رمضان وفتحوا مكة في العام الثامن الهجري في رمضان وغيرها على مر التاريخ فهم اغتنموا فضل ربهم في هذا الشهر وأحسنوا العمل فصدقهم الله تعالى وعده. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين). والجنة يا إخواني درجات تتزين لكل حسب عمله فأي جنة تريد هذه فرصتك على قدر طلبك من زينة الجنة.. اعمل في رمضان فهناك باب بالجنة اسمه الريان لا يسمح لأحد غير الصائمين بدخوله فأي فضل هذا للصائم!! كما تقفل أبواب جهنم وتقيد الشياطين فلا نرى من أعمالهم ما نراه في سائر العام، يتكاسل الناس عن صلاة الفجر، ويفسدون علاقة الجار، يمنعون صلة الرحم وبر الوالدين ولكن في رمضان يمن الله علينا بتقييدهم فينتشر الخير ويعم السلام فترى الناس يهرعون إلى صلاة الفجر ويصلون الأرحام يتراحمون فيما بينهم.. فسبحان الذي يقيد الشياطين في هذا الشهر الكريم فهم يريدون للناس الضلالة والنار، ولكن من رحمته سبحانه أنه تكرم علينا برمضان حتى نحاول إصلاح ما فاتنا. ورمضان هو شهر القرآن.. فيه نزل الله تعالى الكتب السماوية كل الكتب من توارة وإنجيل وزبور وقرآن.. فهو سبحانه أنزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الأولى في رمضان لذا يجب علينا الإكثار من تلاوته وتدبره في رمضان فتذوق حلاوة القرآن في رمضان إخواني وتدبره له أجر كبير كما أننا في رمضان نستطيع فهم القرآن وتدبر معانيه بصورة أكبر لدرجة أن الكثير من العلماء كانوا يتزودون من فهمه في رمضان وتجد الناس بصلاة التراويح تبكي تأثرا بالقرآن فسبحان الله..!! وفي رمضان تأتي ليلة مباركة يغفر فيها الله تعالى للناس ما تقدم من ذنوبهم. فهي ليلة خير من ألف شهر حيث لا حدود فيها لمغفرة الله تعالى ورحمته: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} صدق الله العظيم. ومن رحمته تعالى أنه أخفى موعدها حتى يتزود الناس من الخيرات ويكثرون من البر والإحسان وصالح الأعمال طلبا لبركتها وابتغاء مرضاة الله تعالى وعفوه {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} صدق الله العظيم فهي ليلة الجائزة الكبرى حيث يرد الله فيها المؤمن المجتهد الذي عمل الصالحات وابتغى مرضاة الله تعالى وعفوه يرده الله بخير هدية الغفار لعباده التائبين. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعاملين. فلكم أراد أن يستفيد الجميع من رمضان فنصحنا ألا نضيع لحظة منه وشدد على ذلك لمعرفته بفضل هذا الشهر الكريم لدرجة أن السلف الصالح كانوا ينتظرون رمضان طول نصف العام ثم يظلون يدعون الله تعالى أن يتقبل أعمالهم لمدة نصف عام آخر والواحد منهم يشرب الماء ويأخذ تمرة واحدة ويستبق إلى المسجد ليلحق بالتكبيرة الأولى وفي الفجر كان الواحد منهم يظل بمكانه إلى طلوع الشمس ليحصل على أجر ركعتين توازيان حجاً وعمرة قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (تامة.. تامة.. تامة). وفي رمضان ترق القلوب فنرى الناس تفيض أعينهم من الدمع عند سماع التلاوة بالتراويح حتى أن بعض الناس يصلي بجزء بين المغرب والعشاء ثم جزء آخر بالتراويح لدرجة أنهم يصلون حتى بعد انتهاء التراويح. أما عن الإخوان الجوعى فهذا هو عيدهم فقد جاء رمضان ليشعر الغني بمعاناة الفقير الجوعان وهو للفقير عيد حيث لا يجب أن يكون هناك جوعى بالعالم في رمضان فهذا حقهم علينا أن نطعمهم مما أطعمنا الله فعنه صلى الله عليه وسلم أن: (من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص ذلك من أجره شيئاً) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن منا لا يريد هذه الفرصة أجر يوم صيام زائد في رمضان؟؟ أما المرضى فرمضان شهر الصحة (صوموا تصحوا) فالصيام فيه علاج لمرضى السكري وضغط الدم وكثير من الأمراض الأخرى.. سبحان الله العظيم. ومن حكمة الله تعالى أن شرع الصوم فالجائع يحس بالجائع مثله فتسود الألفة والتراحم وينتشر الإحسان فهو يعطي بعدا اجتماعيا؟؟ وليس مجرد عبادة كما أن من فضل هذه الفريضة أنها تقوي العزيمة وتعود جهاد النفس فالصائم يقاوم الجوع يعاند الشهوات فهو بذلك يرفع الهم ويقوي العزائم وهو تدريب لمواجهة مصاعب الحياة وتمرين على جهاد النفس فلم يكن المسلم أبدا ضعيفا فهو يقاوم الجوع والعطش، النفس والشهوات والشيطان ولذلك فهو مؤهل فيما بعد لمواجهة مصائب العالم أجمع ومشاكله. ومن دروس رمضان التكافل فالصائم يحس بالمحتاج الفقير يساعد المسكين يطعم أخاه الصائم طمعا في مثل أجره كما ورد بالحديث الشريف، وبذلك تقوى الأمة فالاتحاد قوة والتآلف والتكامل يضمنان تنمية اجتماعية مثالية تكون نواة لمجتمع مسلم صحيح يشد بعضه بعضا. الاعتكاف: الاعتكاف هو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو نافلة ذكرها تعالى في كتابه الكريم إعظاما لقدرها {َطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وهي عبادة ينقطع فيها العبد عن ما دون الله تعالى ويطلب محبة خالقه فيبتعد بقلبه عن الدنيا ينقطع عن كافة المخلوقات ويطلب لقاء خالقه يبقى ببيت الله تعالى ويذر دار الغرور فيتذوق حلاوة الإيمان ويتعلق قلبه بالله تعالى وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف داخل خيمة داخل المسجد حتى يخلو قلبه تماما لله تعالى وكان يرتقب ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أفضال الصيام والقيام. عن عبدالله بن عمرو عن الرسول صلى الله عليه وسلم (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام ربي إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن ربي منعته النوم في الليل فشفعني فيه) رواه أحمد بن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والحاكم. وعن فضل العمرة في رمضان أنها كحج مع الرسول صلى الله عليه وسلم. وعن السحور هو سنة مؤكدة يحبذ تأخيرها إلى ما قبل الفجر كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وبعد التهجد والدعاء تأتي أهم سنة وأكبر فضيلة من فضائل رمضان الاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } صدق الله العظيم وتكون في آخر ساعات من ليل رمضان. ومعنى رمضان إخواني التدريب على قهر النفس على محاربة الشهوات فالمسلم يدخل رمضان محملا بالمعاصي ويعمل خلاله على أن يخرج فيه مغفوراً له بإذن الله تعالى ولكن التطهير لابد له من مشقة فالذهب والمعادن النفيسة تنقى وتصقل بالنار كذلك الصيام يطهرنا الله تعالى ينقي به أخلاقنا في رمضان وهو يقوينا ويقربنا إلى بعضنا البعض أمة واحدة عبادة واحدة وقت واحد أقوياء بإذن الله تعالى تدربنا على محاربة النفس، مقاومة الشيطان، لا نخاف ضعفا ولا ذلة، نعلم أن الأمر كله بيد الله تعالى ننأى بأنفسنا عن المتاع الزائل ونطلب نعيم الله المقيم وكأنه تدريب على محاربة الشهوات ودرس في التآلف والتكاتف فأي شيء نخافه بالدنيا ونحن أقوياء أي شيء نخشاه والأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى. وبعد انتهاء رمضان بعد تطهير العباد وتدريبهم على مقاومة النفس يبدأ شوال فيأذن الله تعالى للناس بالإحرام (لبيك اللهم..) فيتقبل الله تعالى العمل النقي فهو طيب لا يقبل إلا الطيب وبعد التنقية برمضان نكون جاهزين مستعدين للتضحية، الذبح، الفداء، فيجب على المضحي أن يكون في منتهى النقاء بغير شهوة فيكبر الله تعالى والله أكبر من كل شيء ويأخذ نفسا أذن له تعالى أن يضحي بها فسبحان الله في حكمته. أكثر من ملياري إنسان في العالم اليوم ينتظرون رمضان فهو فرصتهم للتوبة، تدريبهم السنوي على المقاومة، الشهر الذي يتوحدون فيه في طاعة خالقهم عز وجل. وأخيرا إنه ضيف كريم قادم إلينا محملا بالهدايا والبركات فهل نحن مستعدون لاستقباله؟