جرت العادة أن يكتب عن فضيلة شهر رمضان المبارك وميزته بين الشهور، وعن أجوره العظيمة، عن العادات المصاحبة للشهر الفضيل والطقوس الرمضانية التي تختلف من بلد إلى آخر باختلاف الزمان والمكان والعرف الاجتماعي، ونسأل الله تعالى أن يمن علينا بصيام شهره الفضيل وقيامه على النحو الذي يرضيه سبحانه. وكان من الأهمية بمكان أن نتناول في هذا الرأي الدلالة الصرفية واللغوية لمعنى الصوم والصيام في اللغة، ووضع الخطوط العريضة بين اللفظين مع بيان السياق واللحاق والتفريق بينهما، لأن هناك اختلاف في معنى الصوم والصيام، فكل لفظة تعني في اللغة العربية معناها التام والخاص بها، فليس الصوم كما الصيام، فالفعل «صام» فعل ثلاثي مصدره فعل، وقد يأتي على وزن فِعال، وذهب أهل اللغة إلى مذهبين مختلفين؛ أحدهما: يجيز الترادف اللفظي، والآخر ينفيه بحسب استعمال اللفظة وسياقها ومعناها الخاص. لكن من الواضح جداً ورغم هذا الاختلاف بين أئمة اللغة بأنه لا يوجد ترادف لغوي بين الصوم والصيام، وأن بينهما فرق من حيث الدلالة والمعنى، فالله -عز وجل- يقول على لسان مريم عليها السلام (فكلي واشربي وقري عينا وإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا)، فالله تعالى أمرها بالأكل والشرب والامتناع عن مخاطبة الناس في ذلك اليوم، ولم يأمرها أن تقول نذرت صياماً، ومن هنا يتضح بأن الصوم هو الامتناع عن الكلام. وقال أهل اللغة: إن الصوم بحرف الواو يخص اللسان والالتزام بقول الصدق في كل وقت وزمان ومكان، بينما قال تعالى في آية أخرى من القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، والأيام المعدودات يقصد بها رمضان، وهو الشهر الذي فرض به الصيام، الذي يدل على وجوب الامتناع عن المفطرات المباحة في غيره من الشهور، ومن هنا يستقيم المعنى وتتضح الدلالة اللغوية الصحيحة، والفرق بين الصوم والصيام، ومنه الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا أصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، ولم يقل -عز وجل- :»الصيام» وفي هذا معنى أدق وأشمل.