من الطبيعي أن ينتاب الإنسان شعور بالسعادة والفرح عندما يتحقّق له من الأمور السّارة ما يجعله مبتهجاً مسروراً كأن يكسب مثلاً مبلغاً من المال، أو يرزق بمولود جديد، أو يتماثل إلى الشفاء من وعكة صحية، وما إلى هنالك من الأمور السّارة في حياة الإنسان التي لا تخلو أحياناً من المنغّصات والأحزان والقلق. ولكن قد يحدث في الوقت ذاته ما يجعل الانسان يعضُّ أصابع النّدم وينتابه شعور باليأس والألم نتيجة للتحوّل المفاجئ من حالة السرور التي تحقّق له الاستقرار العاطفي والركود الذهني، إلى حالة التخبّط والذهول التي تؤول بدورها إلى مستوى الغليان العاطفي والارتباك الذهني، ومن ثم الدخول في مجال الأسى والسخط والاستياء الذي يتمخّض عن تلك المشاعر المضادة التي تهاجم الإنسان بينما يكون في حالة إنسانية لا تسمح له بمقاومة الهجمات الشرسة دونما مساعدة خارجية عاجلة لتخفيف وقع الشعور المضاد على مجال الحالة الإنسانية قبل تعرّضها للهجوم الذي يماثل في طبيعته من حيث التسلل والتغلغل ما يعرف اليوم بالهجمات السيبرانية في أنظمة اتصال الشبكات الإلكترونية. نعلم جميعاً أن إنسان العصور القديمة لم يكن يتعرّض لمشاعر الحزن والأسى إلا عندما يفقد عزيزاً عليه أو قريباً له، إذ لم يعرف إنسان العصر البدائي أيّا من المآسي التي نعرفها ويدركها البشر اليوم ومنها الجوانب السلبية لوسائل وأدوات الحياة في هذا العصر الحديث، ذلك أنّ متطلّبات البقاء على قيد الحياة تختلف اليوم عمّا كانت عليه في العصور السحيقة. فإنسان الأمس لم يكن يعاني مثلاً من هموم البحث عن الوظيفة وتوفير المسكن وتحمّل الأعباء الحياتية اليومية التي أفرزتها لنا ثقافات المجتمعات وإرهاصات الحياة عبر عقود طويلة من الزمن. وباعتباره جزءًا لا يتجزّأ من منظومة ثقافية معينة، فإن الإنسان لا يمكنه تغيير أو تعديل طبيعة المشهد الاجتماعي والاقتصادي بمفرده. وهو المشهد الذي تتسلل من خلاله تلك المشاعر المعادية لتفتك بالحالة المستقرّة لمشاعره وطمأنينته ورضاه. ومن هنا قد نضطر لأن نتساءل أو نبحث عن كيفية تغيير مسار هذه المشاعر المعادية أو مجابهتها ومقاومتها بأدوات وسلوكيات محددة بغية تحويل جزء منها على الأقل إلى مشاعر ودّية وصديقة لتخفيف وطأة آثارها على النفس الإنسانية التي عانت وتعاني كثيراً في هذا الزمن من المنعطفات الحادّة والتقلّبات والمطبّات المزعزعة لاستقرارها ورضاها وطمأنينتها. ما أود الإشارة إليه في هذا المقال هو أن طبيعة ثقافة الفرد قد تشكّل عائقاً أمام محاولات الخلاص فنجد أنها تكون غالباً أقسى وأصعب ممّا يمكن أن يجعل المرء يتفاءل بانتصار مشاعر الأمل والمقاومة على مشاعر اليأس والاستسلام طالما لا يلوح في الأفق البعيد ما يبعث على الأمل.