من أوائل قرآتي في الطفولة قصة عنترة، وكانت تطير بخيالي من بيتنا الطيني القديم إلى مضارب بني عبس في صحراء العرب، وتمخر بي الزمان والمكان وتدخل بي معارك الحب والحرب، وسافرت مع خالي - رحمه الله - بعد قراءتها مباشرة إلى بلدتي الحبيبة (القصب) وكانت وقتها قرية لا كهرباء فيها، نام خالي مبكرًا وبقيت (سهران لوحدي) ما عندي كُتب ولا أحد لكن من حسن الحظ أن خالي حين نام ترك الرادو يشتغل على إذاعة لندن، بعد الأخبار قال المذيع إليكم مسلسل الشهر، موسيقى ثم صوت جهوري شق أديم الظلام وهو يصرخ (عنترة بن شداد) وقف شعر رأسي من الفرح والإعجاب!كنت أعتبر عنترة صديقي ولم أتخيل أن تصل أخباره إلى لندن! أو تنتشر أشعاره في كل مكان! الممثل يترنم بشعره الجميل: (هلاّ سألت ِالخيل يا ابنة مالكٍ إن كنت جاهلةً بما لم تعلمِ يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنمِ ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ) وحين كبرت وصار المأثور الشعبي من ضمن اهتمامي وجدت نفسي مع صديق الطفولة من جديد وهم يروون عنه أن ثورًا هائلًا هائجًا داس في مضارب بني عبس وأخاف أشاوس الفرسان فصاحوا بعنتر: تقدّم يا عنتر خلصنا من ذا الثور! فرفض فارس الفرسان وتقهقر فتعجبوا وقالوا: أتخاف من الثور وأنت عنتر؟! فقال: من يعلّم الثور أني عنتر! صدق فارس الفرسان: كل شيء ولا الثيران!! فمن المروءة والعقل أن لا تجادل جاهلًا ولا تجاري سفيهًا ولا تعامل الغاضب بما يعاملك به وقت غضبه.. الغضب نار والنار تُخمد بالماء.. وعلى ذكر الثيران يروي (ديل كارنيجي) أن ثورًا ضخمًا شرساً هاج على فلاحين يريدون إدخاله الحوش، وكلما ضربوه زاد ضراوة وخطورة، فقالت امرأة عاقل اتركوه لي! وأخذت عودًا طويلًا من قصب السكر فأدخلته في فم الثور فطاب له الطعم وهدأ ونظر للمرأة بامتنان، فأخذته لباب الحوش المفتوح تقوده بحلاوة السكر ثم أقفلت عليه الباب وتركت قصب السكر في فمه.. النساء كثيراً ما يُجِدنَ التعامل مع الثيران!