عندما نطالع كتب التاريخ النجدية مثل كتاب المؤرخ حسين بن غنام الذي دائماً ما يسرد القتلى في المعارك وينص على أسمائهم، فلا نشك أن بعضهم له سيرة وترجمة وبالذات من تولوا إمارة أو مهمات أوكلت إليهم، وكذلك المؤرخ عثمان بن بشر، إذ سرد القتلى، وهنا شمل كل المعارك إبان الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، هؤلاء ذكرت أسماؤهم لأنهم قتلوا في المعارك، مع أن البعض الذي كتبت لهم الحياة كذلك لا تعرف عنهم شيئاً مذكوراً سوى من حدثت له قصة أو موقف أو قال قصيدة في مناسبة ما، وهناك أعلام أشارت عنهم الوثائق المحلية وأحياناً الخارجية، فالوثيقة مصدر من المصادر المهمة في التاريخ والروايات الشفوية، كذلك من الرواة والإخباريين الذي يكنزون جملة من التراث المحلي، وقد رحلوا من هذه الدنيا ورحل معهم ما في صدورهم، قدمت بهذه الكلمات والجمل لأجل أن أدخل إلى موضوع شخصيتنا عبدالرحمن بن محمد بن خضير -رحمه الله-، الذي يعد من الشخصيات التي كانت قريبة جداً من الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- ومن أبنائه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد -رحمهم الله-، هذا الرجل الذي قد لا يعرفه بعض المهتمين بالتاريخ المحلي كان أشهر من علم في زمنه، وفي هذه السطور نشير إلى شيء من سيرته التي فقدنا الكثير منها سوى ما سمعه أبناؤه وبعض أحفاده وعنهم نقلت هذه المعلومات. هو عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن بن ناصر بن خضير، ولد في الرياض التي هي مستقر آبائه وأجداده، ولعل تاريخ ميلاده عام 1271ه أو بعدها بقليل؛ لأنه كما روى عنه أولاده وبعض أحفاده شاهد الإمام فيصل بن تركي وهو صغير، والإمام فيصل توفي عام 1282ه، عاش ابن خضير في بلدته وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في كتاتيب الرياض وطلب العلم فيما بعد، وقرأ على مشايخ الرياض وأشهر حلقة كانت في الرياض حلقة الشيخ عبداللطيف آل الشيخ ثم ابنه الشيخ عبدالله ولعله قرأ عليهما. تاريخ وأخبار وجد شخصيتنا هو عبدالرحمن بن ناصر بن خضير، والذي لا نعرف عنه إلاّ النزر اليسير، مما رواه حفيده عبدالرحمن عنه، والذي تسمى على جده، وهو قد أدركه وليس من المستبعد أنه عاش مع جده هذا ووالده في منزل واحد على طريقة الزمن القديم، وكان جده مقرباً من الإمام فيصل بن تركي، أرسل له ابن اخته عبدالله بن شايق قصيدة وهو في البصرة، وقد نشرها الباحث المضحي في مجلة المها لما كنت رئيس تحريرها العدد الأول. وابن خضير كان ذا مال وعقارات ويروى حفيده عبدالرحمن بن محمد خضير أن له دكاكين بجوار جامع الإمام تركي بن عبدالله تؤجر، وله ملك في الدرعية وحريملاء وهذه المعلومات والسيرة سمعها أبناء عبدالرحمن بن خضير وهم محمد وعبدالعزيز وفهد ونقلها الأبناء للأحفاد وبعض المعلومات والوثائق سمعها الأحفاد من جدهم مع أنه لا يحب أن يعلموا عنه شيئاً، وإذا أحس بذلك سكت. وعبدالرحمن بن خضير -شخصيتنا لهذا الأسبوع- لم تُجر معه مقابلات صحفية مع أنه طال عمره جداً، وليته نثر ما عنده من تاريخ وأخبار وقصص سواء ما يتعلق بتاريخ الوطن أو من الشأن الاجتماعي، لكنه لم يفعل وكل أحاديثه كانت خاصة مع من يعرفه من أصدقائه أو مع أولاده و أحفاده، ولولا ما كتبوا لما استطعت كتابة شيء من سيرة هذا الرجل أحد رجال الملك عبدالعزيز الذين كان يثق برأيهم ومشورتهم فهو من أصحاب الرأي ومن الذين قذف الله في قلوبهم التفرس في الناس وتوقع الأحداث وتصورها ومن ذوي الحنكة والدهاء وشخصية متوازنة. مع المؤسس ولعل انضمام عبدالرحمن بن خضير -رحمه الله- مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بعد أن ضم العاصمة الرياض إلى حكمه، ومن تلك الأيام وهو يعمل مع الملك المؤسس ومن كتّاب الملك، ويذكر أنه قد رشح للقضاء، وهو فعلاً يصلح للقضاء؛ لأنه ذكي وفطن وموهوب بالفراسة وذو شخصية قوية، وقد تعلم علوماً شرعية، والقضاء لا يحتاج في ذاك الزمن إلى كثير من العلم، وأهم مقومات القضاء الذكاء الحاد والتفرس في الخصوم من المحق ومن والمبطل؟؛ ولأن أغلب الخصومات كانت في أمور الزراعة والبيع والشراء والمداينات والنزاعات الأسرية وهي قليلة جداً، لكن ابن خضير انشغل مع الملك المؤسس مدة طويلة من الزمن، ومن جانب آخر فإن الملك المؤسس أرسل عبدالرحمن بن خضير معلماً ومدرساً لبعض القرى وإماماً لهم. رأي صائب وعُرف عن عبد الرحمن بن خضير -رحمه الله- إصابة الرأي، وكانت من أهم صفاته البارزة، ففي أحد كفاح المؤسس لتوحيد هذه المملكة كان يقود جيشه إلى مكان معين، فأشار له ابن خضير أن لا يحمل كل العتاد والسلاح وقال: «لعلك تحتاج إليه فيما بعد المعركة، فإن انتصرت فهذا ما نريده ونتمناه، وأن تكن الأخرى سوف تجد هذا العتاد والتموين رافداً لك وسنداً»، واتجه ابن خضير ومعه بعض مرافقيه من ذوي الجرأة والبأس إلى تلك البلدة القريبة من جيش الملك المؤسس واستأجر ثلاثة منازل في تلك البلدة ودفن هذا العتاد في أحد المنازل وجعله مكانه مجلساً بحيث لا يطرأ الشك على أي زائر، وبما أن ابن خضير معروف أنه من المرافقين للملك ومن رجاله جاء إليه أناس يتلقطون الأخبار ويرسلونها للعدو ورحب بهم ابن خضير، وهو يعرف ما هو القصد من هذه الزيارة، وما الهدف منها، وسألوه ماذا عندك يا بن خضير؟، أجابهم أن قصدي شراء أرزاق ومقاضٍ للشيوخ يعني الملك عبدالعزيز، وانطلت عليهم حيلة ابن خضير وحسن تصرفه وخرجوا وهم لا يشكون في أنه ما جاء لهذه البلدة إلاّ للغرض الذي قاله لهم، وبعدها استعان الملك المؤسس بهذا العتاد والسلاح والتموين فكانت مشورة طيبة. مهمة كبيرة وفي عام 1331ه ضم الملك المؤسس -رحمه الله- الأحساء، تقول الرواية التي تحدث بها عبدالرحمن بن خضير لأبنائه وأحفاده أنه أرسلهم الملك المؤسس والشيخ محمد بن شلهوب وزير الشيوخ، وهو الرجل الشهير والشخصية الكبيرة من رجال الملك المؤسس، وكان الهدف من إرسالهما إلى الأحساء البحث عن مدى قوة الحامية التركية هناك ونقاط الضعف والقوة وعدد الجنود، وكذلك ليشخصوا للملك المؤسس بلدة الكوت التي كان يسكنها الجنود الأتراك، وقد حققوا ما يريد الملك المؤسس من جلب معلومات عن هذه الحامية، وحتى عندما شاهد بعض الناس الشيخ محمد بن شلهوب وعبدالرحمن بن خضير سألوهما ماذا تريدان؟، قالا: شراء تموين غذائي من حب وتمر للشيوخ، وبطريقتهما الخاصة استطاعا أن يتعرفا على قوة وعدد الحامية وعن البوابات والحراسات الأمنية، وكان ابن خضير قد أرسل رسالة إلى الملك عبدالعزيز يوضح فيها هذه القوة برموز يعرفها المؤسس، حيث كتب ابن خضير عدد أكياس الرز والحب والتمر وهي كناية عن عدد السلاح والقوة التركية، وكان عند إرسال الرسائل يفتشها الحراس عند البوابات فإذا قرؤوها سمحوا بها، فليس فيها إلاّ عدد التموين فقط، فتصل إلى الملك المؤسس في الرياض. وعندما أصدر الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تعيين ابنه الأمير فيصل -الملك فيما بعد- نائباً له في الحجاز كان عبدالرحمن بن خضير مع الملك فيصل في الحجاز، وعمل معه أيضاً ابنه محمد الذي أسس قسماً خاصاً لشؤون البادية التابع للأمير فيصل النائب العام في الحجاز، ثم عاد إلى الرياض فأصبح ولياً للعهد فرجع ابن خضير معه، وبعدها وهو من جلساء الملك فيصل ومن المقربين، ومن خاصته حتى وفاته. فقد بصره وكان عبدالرحمن بن خضير -رحمه الله- معروفاً بحدة البصر، يروى عن نفسه نقلاً عن أبنائه وأحفاده أنه في سنة من السنوات كان مع الملك عبد العزيز أثناء تأسيس المملكة، وبينما هم في إحدى استراحات الجيش إذ قال ابن خضير للملك المؤسس إن هناك على مسافة منا رجالاً وخيلاً وجيشاً قادماً إلينا، فنظروا فلم يشاهدوا شيئاً، وما هي إلاّ ساعات إلاّ والكشافة يأتون ويخبرون الملك المؤسس أن هناك جيشاً قادماً، فتعجب الناس من حدة بصر ابن خضير، فقال أحدهم بصر ابن خضير أكثر دقة من الدربيل، وبعد هذه الكلمة من هذا الرجل الذي لم يذكر الله فقد ابن خضير بصره تلقائياً، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»، ومعني استغسلتم فاغسلوا أي إذا طلب من يظن أنه حسد أو أصاب بعينه شخصاً وتأثر بذلك العين يغتسل هذا العائن، ثم إن هذا المحسود يأخذ هذا الماء يغسل يديه ووجه ومرفقيه وأطراف رجليه وداخل أزاره ثم يصبه في إناء ثم يغتسل منه المحسود فيبرأ بإذن الله عز وجل، كما في حديث سهل بن حنيف حينما كان يغتسل فأصابته عين عامر بن ربيعة فسقط مغشياً عليه فأمر الرسول عامراً أن يغتسل ويغتسل سهل بن حنيف من الماء التي اغتسل منه عامر فبرأ سهل، ولو فعل ابن خضير هذا وأخذ من الرجل وهو يعرفه لبرأت عينه. شفاعته للناس وأصبح عبدالرحمن بن خضير -رحمه الله- لا يبصر إلاّ بعين واحدة، لكنه ظل يشارك مع الملك المؤسس إبان توحيده للمملكة، ويأتي عام 1343ه قبل ضم جدة، وبينما كان عبدالرحمن بن خضير في خيمته في الليل يكتب رسائل للملك المؤسس إذ دخل عليه أحدهم فرآه يكتب في الظلام، وهنا كذلك فقد العين الأخرى، وبهذا أصبح أعمى طيلة حياته من عام 1343ه حتى وفاته 1407ه، وقد أرسله الملك المؤسس إلى الهند ليعالج عينه، لكنه لم يستفد من رحلته العلاجية هذه، ويروى أنه كتب رسالة وهو فاقد البصر، وكانت كتابته صحيحة، وهذا وقع لأكثر من شخص فقدوا بصرهم أمثال الشيخ القاضي الأديب صالح بن مطلق، حيث كتب عدة رسائل وهو أعمى لم يغلط فيها، وكذلك الأديب المشهور العلامة أحمد عبدالغفور عطار كتب رسالة إلى صديقه زيد الفياض وقد فقد الكثير بصره كما أخبرني زيد، وظل ابن خضير صابراً لفقد بصره وفي الحديث الصحيح: «من فقد كريمتيه -أي بصره- عوضه الله الجنة». وكان ابن خضير لا يبخل بجاهه، فإذا ما التجأ إليه أحد يريد حاجة شفع له عند ولاة الأمور، وهذه إحدى صفاته وأخلاقه الطيبة، والبخيل من بخل بجاهه، والشفاعة للخير من أفضل الأعمال المتعدية للآخرين، وولاة الأمور يقدرونه ويحترمونه ويقبلون شفاعته، وكما أخبرني حفيدة عادل الخضير. شهادة ومصداقية وفي خطاب الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- حينما كان نائب رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 27 /8 / 1384ه الموجّه إلى الشيخ عبدالرحمن بن خضير، حيث أصدر قراراً بتأليف كتاب تاريخي شامل عن سيرة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- يشمل سجل كفاحه والأدوار التي مرت به ومواقفه السياسية والدينية والإدارية والعائلية، ثم ذكر الملك خالد الغرض من تأليف هذا الكتاب عن المؤسس قائلاً: «ليكون مرجعاً أميناً ثابتاً صحيحاً فيما يتعلق بحياته الحافلة وفيما يكتب عنه، وليسهل تداوله بين الناس، وليسد هذه الثغرة الكبيرة في الحياة العربية والإسلامية المعاصرة»، وقد عهد إلى وزير المعارف بمهمة الإشراف على المراحل اللازمة لإبرازه؛ لأنه سيكون بين ذلك ما تعلمونه شخصياً من تاريخ حياته ومواقفه بحكم معاصرتكم له وملابستكم لجزء من تاريخ حياته، فإننا نرغب إليكم في التعاون التام مع مبعوثي وزير المعارف إليكم بسؤالكم عن معلوماتكم حيال ما ذكر وتسهيل مهمتهم. وهذا الخطاب الصادر من نائب رئيس مجلس الوزراء آنذاك الملك خالد يُعد شهادة منه بمصداقية معلومات عبدالرحمن بن خضير عن الملك المؤسس، وأنه أهل لهذه الثقة والمرجعية التاريخية عن حياة الملك عبدالعزيز، ولو لم يكن أهلاً لهذه الثقة وأمانة النقل لما وجه إليه هذا الخطاب الذي هو وثيقة من الوثائق الوطنية، فابن خضير كنز من المعلومات التاريخية ومعاصر لأحداث كثيرة منذ عهد الإمام فيصل بن تركي في الدولة السعودية الثانية، وعهد أبنائه الإمام عبدالله الفيصل والإمام سعود الفيصل والإمام عبدالرحمن الفيصل حتى سقوط الدولة السعودية الثانية والمدة التي بعد سقوط الدولة السعودية واسترداد الملك المؤسس العاصمة الرياض ومبايعته وما بعدها من الوقائع والأحداث فهو شاهد عصوراً وليس عصر ومؤرخ أجيال شاهدها، كان حافظة وذاكرة بطيئة النسيان سريعة الجواب بعقل حاضر البديهة له معرفة بدقائق الأمور وتفاصيلها، وكان الوجهاء والأعيان يزورونه في منزله بالرياض حينما كان منزله شمال شارع عمرو بن العاص -التلفزيون- ثم في منزله الثاني في حي الشرفية يرحب بكل زائر. عاش عبدالرحمن بن خضير 136 عاماً تقريباً وبتاريخ السابع والعشرين من فجر ذاك اليوم شهر رمضان لعام 1407ه توفي رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى. في الختام أشكر عادل وماجد وأحمد أبناء فهد بن عبدالرحمن بن خضير على تزويدي بنبذة عن جدهم عبدالرحمن بن خضير. محمد بن عبدالرحمن بن خضير مؤسس شؤون البادية بالحجاز شكر الملك فيصل لابن خضير على تعزيته في عمه سعود بن عبدالرحمن عبدالرحمن بن خضير وُلد في الرياض وأمدّه الله بطول العمر وزير المعارف حسن آل الشيخ يطلب من ابن خضير المشاركة في كتاب عن المؤسس إعداد- صلاح الزامل