أثناء مرحلتي الجامعية صادفتني دكتورة جامعية دقيقة وذكيّة بشكلٍ مُبهر، أسئلتها تحتاج لقدرات ذهنية عالية لتجاوزها وحلّها؛ أتذكّر جيّدًا الحالة النفسية السيئة التي كان عليها معظم الطلبة؛ لخوفهم من الرسوب الذي بات يلوّح لهم بعد كل اختبار تنخسف به درجاتهم وتتهاوى. المُلفِت في ذلك الوقت انقسام الطَّلَبة إلى فئتين متغايرتين تمامًا، الفئة الأولى كانت تتشكّى وتتذمّر باستمرار من صعوبة الأسئلة، وحين شعرتْ أن لا جدوى لها من الشكوى، طلبت من الدكتورة نفسها الحدّ من تعقيد الأسئلة المطروحة في الامتحانات؛ بدواعي أنّها تفوق قدراتهم الفكرية بكثير. أما الفئة الثانية كانتْ تتشكّى وتتذمّر على غِرار الحالة الأولى فهُما في الموقفِ سواء؛ لكنّها لمْ تطلب من الدكتورة تخفيف حدّة الأسئلة أبدًا؛ لمْ تسعَ لتغيير الأطراف الخارجية التي لا سُلطة لها عليها، أول ما فكرتْ به تلك الفئة هو تغيير مستواها الفكري ليتناسب مع مستوى الأسئلة المطروح في الاختبارات، ويعبُر الأمر بسلام وتحصُد النجاح، كانت محاولاتها ملحوظة جدًا البعض بدأ يبحث عن طرق لتفكيك السؤال المُعقّد وإدراكه خطوة بخطوة، والتركيز على فهم المطلوب أولًا وعدم إضاعة الوقت بالتعمّق بتفاصيل السؤال، منهم مَن استشارَ الدكتورة ذاتها عن طرق للدراسة بشكل أكثر ذكاءً من الذي اتبعوه سابقًا، ونهج يضمن لهم فاعلية أعظم، وجزءٌ آخر سلكوا منهج توسيع الأفق، لم يقتصروا على الكتاب التعليمي الذي يحملونه، وبدأوا بالقراءة من مصادر متفرّقة؛ ليكسروا حاجز الرتابة الفكرية المتكوّنة لديهم، ويصبح بإمكانهم رؤية الموضوع من زوايا مُختلفة وتكوين صورة حقيقية عنه. انتهى الفصل الدراسي والدكتورة الجامعية ثابتة على نفس مستوى الأسئلة، لم يحدث أي تغيير بطريقة كتابتها للأسئلة يضمن النجاح للطلبة. وكانت النتيجة أنّ نسبة كبيرة جدًّا من الذين انتظروا تغييرًا خارجيًا ليُنقذهم، رسبوا في المادة؛ لكن ما الذي تظنّه حدث للذين اختاروا تغيير أنفسهم؟ الذين اختاروا تغيير أنفسهم يا صديقي نجحوا وتجاوزوا الأمر وحملوا معهم خبرتهم في مواجهة أي تحديات طارئة، ومصاعب مؤقتة. تُعلّمنا الحياة أنَّ التغيير الحقيقي يجب أن يتكوّن في الداخل أولًا؛ ليتجلى أثَره في الخارج، لا أحد مسؤول عن قصة نجاحنا سِوانا، لا أحد بإمكانه أن يُفشِّلنا سوانا، وإليكَ ماذكرته، فالموقف واحد؛ لكن طريقة التعامل مع الموقف غيّرت النتيجة، فالخيار لكَ في كلّ موقف تواجهه إمّا أنْ تقِف بكامل قِواك وتؤمن بأنّكَ تستطيع، أو تبقى مُقيّدًا في مكانك، تعيشُ على أمل تغيُّر الأحداث مِن حولك لتُحرِّرك وتُنقذك، الخيارُ لك، فاختر ما يُناسبك.