في هذه الأيام تستقبل الجامعات الألوف من الطلاب والطالبات الذين يضعون أقدامهم على عتبات الجامعة لأول مرة. حيث سيقضون ما لا يقل عن أربع سنوات داخل أسوار الجامعات، متنقلين بين كلياتها، ومدرجاتها، وفي ردهاتها. ينهلون من معين المعارف المتعددة التي تثري أفكارهم، وتشكل شخصياتهم، وتوسع مداركهم، استعدادًا للحياة العملية، بعد نيل الشهادات التي تفتح لهم أبواب العمل في شتّى المجالات. والمرحلة الجامعية تُشكّل نقلة نوعية في حياة الطالب.. من النواحي الجسدية والعقلية.. بحكم انه لا يزال في مرحلة المراهقة، وما يحيط بنا من تقلبات، وتغيرات جسدية ونفسية، وأحلام ممزوجة بالخيال، وشيئًا من الواقع، بسبب التغيرات التي يتعرّض لها الشباب في تلك المرحلة من نمائهم. ولهذا فإن الطالب المبتعث على وجه الخصوص يحتاج إلى عناية خاصة تعينه على الصعوبات التي تواجهه وتضمن -بعد توفيق الله تعالى- نجاحه في دراسته. تتطلب الدراسة الجامعية في الخارج، تهيئة مركزة، لأن الفارق الكبير الذي يميّز الطالب الجامعي في الدول المتقدمة.. في أوروبا وأمريكا الشمالية.. عن الطالب السعودي، هو الإعداد المبكر الذي يتلقاه الطلاب في تلك الدول في المرحة الثانوية.. من الصف العاشر حتى الصف الثاني عشر. والإعداد عندهم يشمل: المحاضرات، والزيارات الميدانية، من أجل التعرف على الجامعة، ومتطلبات القبول، والفوارق بين برامجها، من النواحي الأكاديمية، والمرافق التي سيعيش فيها أثناء الدراسة، والتي يجب أن تكون من أجمل سنوات الحياة بالنسبة للطلاب الجامعيين. يعتمد نجاح الطالب الجامعي على عدة عوامل منها: الإعداد المبكر للدراسة الجامعية، وحسن الاختيار للجامعة، والتخصص الملائم لميول الطالب ورغبته، وسرعة التكيف في الجو الجامعي، الذي يختلف تمامًا عن جو المدرسة والبيت، خاصة عندما تكون الجامعة التي اختارها خارج المدينة التي عاش وتربى فيها، أو خارج الوطن، مثلما هو الحال بالنسبة للمئات من طلابنا وطالباتنا الذين يواصلون دراستهم الجامعية في الخارج. حيث يتطلب الوضع اعتماد الطالب على نفسه في شؤون حياته الخاصة بالكامل. ويأتي بعد ذلك ضعف اللغة الأجنبية، والمهارات الدراسية، التي تعد من أكبر العقبات التي تواجه الطلاب السعوديين في الخارج، بسبب تأهيلهم الذي يركز على الحفظ، والتلقين، بدلاً من الفهم، والتحليل، والاستنتاج. مثلما هو متبع في مناهج الدول الغربية. يصاحب ذلك ضعف عام، في كيفية استخدام المراجع، وطرق البحث العلمي، واستخدام المختبرات، وطرق الاستفادة من المكتبات، وتنظيم أوقات الدراسة والمذاكرة، والتغلب على القلق وحالات التوتر، الذي عادة ما يصاحب فترات الامتحانات، ويعد من أكبر وأخطر الأسباب التي تؤدي إلى الإخفاق في الامتحانات. وإذا لم تتم السيطرة عليها في وقت مبكر، فقد تتسبب في عزوف الطالب عن الدراسة بالكامل. هذه تحديات جوهرية تواجه طلابنا في الخارج، ولابد من مساعدتهم للتغلب عليها. ومن الأمور الهامة التي يجب أن يحذر الطلاب منها قبل سفرهم للدراسة في الخارج. مساوئ استخدام بعض العقاقير والمنشطات، التي قد يلجأ إليها الطالب المتراخي بسبب سوء تنظيم أوقات الدراسة، ورواسب العادات الدراسية السيئة التي يكون قد تعوّد عليها في المرحلة الثانوية. خاصة في أوقات الامتحانات. والسؤال المطروح.. مَن الجهة التي يمكن أن تساعد الطالب الجامعي إذا أصبح ضحية العادات السلبية التي اكتسبها في المراحل الأولى من الدراسة؟ الجواب عن هذا السؤال يبدأ، بدور الأهل من خلال متابعة مستمرة، بحيث لا يغيب عن الطالب اهتمام أهله بشؤونه، بحجة خروجه من البيت. ثم يأتي دور جهة الابتعاث التي تتحمل تكاليف دراسته.. التي تبلغ بلايين الريالات سنويًّا.. من أجل أن يعود الطالب، عضوًا فاعلاً في المجتمع . وليس من أجل هدر الأموال بدون نتيجة، وتضييع فرصة كان من الممكن أن تعطى لطالب آخر يحسن الاستفادة منها، في تخصص مطلوب ومهم للبلد. من الواضح أن العبء الأكبر يقع على البعثات التعليمية في الخارج.. التي تقوم بجهود جبارة تشكر عليها.. من خلال تكثيف اتصالاتها بالجامعات، ومضاعفة الزيارات الميدانية للطلاب، والبت في أي تصرف غير مرغوب فيه، حتى لا يتمادى بعض الطلاب في الإهمال، الذي قد يتسبب في إخفاقهم في مهمتهم التي ابتعثوا من أجلها. والمطلوب من طلابنا، وطالباتنا، الذين يضعون أقدامهم على عتبات الجامعة لأول مرة هذا العام، في الداخل والخارج، أن يتذكروا.. بأن الحُلم الجامعي لا يكتمل إلاّ بالنتيجة المتوّجة بالنجاح، والعودة بسلام لكسب العيش الكريم، وخدمة الأهل والوطن. مع تمنياتنا المخلصة لطلابنا وطالباتنا بالتوفيق.. والله من وراء القصد. *************************** كاتب بصحيفة "المدينة" السعودية.