قابلت إحدى المريضات عند صيدلية المستشفى وكانت تجلس على كرسي متحرك لأنه تم إزالة إصبع قدمها الكبير بعملية جراحية بسبب الغرغرينا التي تحدث نتيجة عدم التحكم بالسكر في الدم وأخبرتني إنها كانت محافظه على علاج السكر وأمورها جيدة إلى أن قرأت بأحد مواقع السوشيال ميديا بأن غلي عيدان القرفة وشربها قبل وجبة الطعام له نفس مفعول أدوية السكر، فتركت أدوية السكر واعتمدت على وصفة الموقع إلى أن حدث ما حدث وانتهت بقطع إصبع قدمها. فأحببت أن أتحدث عن ظاهرة التطبيب عند طريق وسائل التواصل الاجتماعي وآثارها. لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي وسائل ترفيه وأخبار كالسابق، بل أصبحت موقعاً مهماً لتداول المعلومات الطبية، بحيث أصبح لها دور كبير في نشر التوعية الصحية إذا استثمرت بطريقة صحيحة، من قبل الأطباء المتخصصين. ولكن للأسف استغلت مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الكثير من الأشخاص لنشر المعلومات الخاطئة والكاذبة والمضللة إما لزيادة عدد المتابعين أو بهدف الترويج لبعض المنتجات الرخيصة التي لم تجد طريقاً لها في السوق مثل المكملات الغدائية والمقويات والخلطات العشبية التي تلحق أضراراً كبيرة بصحة أبناء المجتمع. في بداية ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كانت لهدف تداول الأخبار الصحيحة والمفيدة نتيجة لقوة تأثيرها وكثرة متابعيها، وأيضاً وسيلة فعالة لنشر الوعي الطبي وتفنيد الشائعات ودرء المخاطر، لكن للأسف استغلت هذه الوسائل لتسخيرها للشهرة والدعاية والمشكلة أنه يوجد العديد من الحسابات الطبية لا تدار من قبل أطباء، وإنما من قبل أناس عاديين لا علاقة لهم بالطب، وغالباً ما تتضمن الكثير من المعلومات المضللة، الأمر الذي يشكل خطورة على صحة الناس. وأثبتت إحدى الدراسات أن 60 % من المعلومات التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي غالباً ما تكون مبهمة أو مغلوطة، لأنها لا تأتي من المتخصصين بل من عامة الناس. وقد أثبتت أيضاً أن واحداً من كل أربعة يتابعون المواقع الصحية. وإذا استخدمت هذه الوسائل بالطريقة الصحيحة يكون لها دور مفيد ومهم في المجتمع خصوصاً إذا قام بعض الأطباء في جميع تخصصاتهم بالتوسع في استخدامها بهدف توعية المجتمع، بدلاً من المواقع الطبية التجارية غير الموثوق بها. للأسف العديد من المرضى يستخدمون محركات البحث لإيجاد علاج لهم في حسابات وبعض المواقع الإلكترونية المجهولة المصدر، بحيث يكون لها أشد الخطر على صحتهم وحياتهم، ومن المحزن جداً أن تجد من يدخل ويستعين بآيات من القرآن الكريم في ترويج العقاقير العشبية في حساباتهم مستغلين مشاعر وحاجة المرضى، وتكون معظمها غير نافعة بل ضارة جداً. وأيضاً توجد حسابات تروج للأدوية الطبية على أنها عقاقير عشبية وذلك بعد استبدال عبواتها في عبوات أخرى خاص بالأعشاب لتسويقها. لذلك اعتبر مواقع التواصل الاجتماع بيئة خصبة لنشر المعلومات والأخبار الخاطئة بحيث العديد من المستخدمين يعرضون تجاربهم الشخصية على أنها نصائح طبية ومعلومات مفيدة فيتضرر بها بعد ذلك من يتابعهم لأن هذه التجارب يختلف تأثيرها من شخص لآخر مثل الطفل مقارنة مع الكبير والمرأة الحامل مقارنة مع غير الحامل. وأيضاً وسائل التواصل الاجتماعي عباره عن سلاح ذي حدين فيجب استثمارها واستخدامها لأغراض وأهداف إيجابية لا لنشر المعلومات التي تضر المجتمع، فمثلاً المعلومات الصحية المتعلقة بالعلاج والتغذية واتباع ما يأتي فيها من حميات لتنزيل الوزن، أو علاج الأمراض المزمنة والمستعصية مثل مرض السكري تشكل خطراً على الصحة، ومهم جداً أن نعلم بأن معظم الوصفات الشعبية التي يدعي المروجون لها فعاليتها في علاج أو تخفيض نسبة السكري هي معلومات مغلوطة ولا أساس لها من الصحة مثل ما حدث مع المريضة التي استخدمت القرفة بديلاً لعلاج السكر. بعد جائحة كورونا وغلاء الرسوم الطبية في بعض المستشفيات والعيادات الخاصة أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الوجهة الأكثر تزايداً في الاستخدام من قبل البالغين من أجل البحث عن الاستشارات والنصائح الطبية والصحية. على الجانب الآخر أيضاً يوجد من يستفيد من الكثير من المعلومات الطبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أطباء موثوقين، ولكن لا تناسب بالضرورة كل مريض، لأن هذه المواقع توفر المعلومة بشكل عام، وقد يكون لدى المريض أدوية أخرى، فيتسبب ذلك بتداخلات دوائية خطرة. أنصح بأن يكون للأطباء دور في تفنيد الشائعات التي يتم تداولها عبر وسائل التواصل لاجتماعي، مثل الترويج لبعض أدوية التخسيس العشبية التي يمكن أن تؤدي إلى الفشل الكلوي أو الكريمات للبشرة وزيوت الشعر فضلاً عن بعض العلاجات بالخلطات التي قد لا تصلح لكل مريض. لابد من تقديم شكوى على من ينتحل شخصيات الأطباء وينشئون مجموعات بمواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه أن ينتهك الخصوصية ويؤدي إلى نتائج سلبية، وخصوصاً أن البعض يعتبر الخبرات الشخصية للآخرين نصائح طبية مسلماً بها بحيث قد لا تناسبهم وتكون خطراً على حياتهم.