النقد كممارسة عقلية متجذرة ارتبطت أساساً بالإطار الفلسفي ومهارات التفكير، وبالرغم من اختلاف الرؤى، والأطروحات التي قد نقف عليها في الأدبيات النظرية التي عنيت بالنقد إلا أن هناك توافقاً على قيمة النقد كمتطلب ألمعي وحيوي، وضرورة ثمينه في أي مجتمع يسابق الزمن بحثاً عن التطور والتغيير الإيجابي، ويميل إلى تصويب الأخطاء، ومعالجات الخلل. تسود فكرة خاطئة جداً تتمثل في اعتقاد الكثير أن النقد بشكل عام يركز أو يهتم بالجوانب السلبية فقط، بل ويظن البعض أن عملية النقد قد تتجه إلى الانتقاص من الشخص أو من الموضوع المنقود، لذا توجه العرف النقدي منطلقاً من الأطروحات الفلسفية لكبار الفلاسفة والنقاد، أن النقد والتفكير الناقد ليس متاحاً للجميع بل يستوجب توفر جملة من المقومات الفكرية، والسمات الشخصية، والخصائص العقلية، وحزمة من الأدوات العلمية والمعرفية لدى صاحبه. في المجال الإعلامي يعد النقد نشاطاً عقلياً متأملاً وهادفاً، يقوم على الحجج المنطقية، وغايته الوصول إلى أحكام صادقة وفق معايير مقبولة، ويسعى إلى تفسير وتقييم المضامين الإعلامية ووسائل وأساليب نشرها بالإضافة إلى الوقوف على دقائق وتفاصيل لا تلتقطها إلا العين الناقدة الخبيرة لتقديم محتوى نقدي ناجع ومفيد يستطيع المتلقي من خلاله التعرف على الخبايا والزوايا التي لم يقف عليها سابقاً وساعدته عين الناقد في ذلك، ويعين الجهات ذات العلاقة على اتخاذ قرارات ملائمة لواقعها واحتياجاتها المستجدة. كما أن العملية النقدية في المجال الإعلامي تدفع الناقد إلى تفحص المدخلات، وجمع التجارب المهنية، بالإضافة إلى التأطير المعرفي والذي يسعى إلى طرح الرؤى النقدية العميقة والمؤثرة في المعلومات المتنوعة المرتبطة بالمجالات المختلفة التي تتفاعل معها العملية الإعلامية لتنمية وتحديد المفاهيم المتعلقة بالمعارف الإعلامية. ومعروف أن الوظيفة النقدية هي إحدى وظائف الإعلام المهمة لصناعة التأثير المطلوب، وتنوير الرأي العام، وصياغة الاهتمامات، وتأطير المحتوى الإعلامي المختلف مما يقود إلى إنضاج المضمون الإعلامي، وتقييم العملية الإعلامية في أي شأن أو منتج إعلامي. تلعب الرؤية النقدية دوراً كبيراً في قدرة الوسائل الإعلامية على بذل مجهود متزن ومنضبط لتقويم وتقييم الممارسات المهنية و"مسطرة" المنتج الإعلامي حيث يسهم ذلك في تجاهل الانطباعات الشخصية والاعتماد على الأسس الإعلامية، والتي بدورها تساعد على تشكيل انطباعات جادة، ونقد أكاديمي وإعلامي مبني على مجموعة من الفرضيات المتقنة. ويبقى القول: عملية النقد ليست آراءً يمكن طرحها عشوائياً وعبثاً لشعور أحدهم أنه صاحب رأي وحر في تقديم رأيه الآراء هي انطباعات معبأة بعقلية الشخص ومتصلة بقناعته الشخصية.. ويوجد جهل كبير لدى الكثير حين يتعزز بأطروحاته اعتقاداً منه أن نقد، ويضع نفسه مراقباً ناقداً لكل حالة سواء فهمها أو لم يفهمها فيعيش حالة عمى وإعياء شديدين لأنه صنع من نفسه ناقداً عظيماً.. فتحول بعد ذلك إلى ناقم ضخم.