منتدى جدة للدراسات النقدية وتحليل الخطاب، الذي تنظمه جمعية الثقافة والفنون بجدة ويشرف عليه نخبة من النقاد والأكاديميين، وانطلاقًا من مسؤولية «الرياض» الإعلامية لإضاءة منجزات هذا المنتدى الفتي وأبرز أطروحاته النقدية، وما عُني به خلال الدورتين الماضيتين من موضوعات وأوراق، ولسبر هذه التجربة وما خلقت من فضاء إبداعي متين تشارك فيه نخبة من العقول من داخل الوطن وخارجه.. استطلعت «الرياض» آراء النقاد والباحثين الذين يحملون عضوية المنتدى، وقدموا خلاله أعمالًا تستحق العناية والاهتمام، حول آليات المنتدى وغاياته، والبعد المعرفي له، وإسهاماته الأدبية والنقدية والفكرية الماضية، والمنتظر منه خلال الدورات المقبلة.. "محاصرة الارتجال" بداية تحدث د.سعيد السريحي - أديب وناقد وصاحب فكرة المنتدى - قائلًا: جاء تأسيس المنتدى في الشهر السابع لعام 2018 هادفًا إلى بلورة الدرس النقدي وآليات تحليل الخطاب وفق عمل مؤسساتي جماعي، يقوم على التداول، ويحرص على تعدد الآراء، ويتخذ من الحوار وسيلة لبلوغ غاياته، وأضاف: اتخذ منتدى جدة من حقل العمل النقدي مجالًا لعمله، ومن تحليل الخطاب أفقًا يسعى إلى بلوغ غايته، كما وجد في جمعية الثقافة والفنون المظلة التي يعمل تحت رعايتها، ويحظى بما تقدمه لجلساته التي تُعقد شهريًا من عناية واهتمام، وما تعين عليه من تولي شؤون الطباعة والنشر والتوزيع، لما تثمر عنه تلك الجلسات من أوراق عمل، وما ينبني عليها من تعقيبات تترجم اللغة الحوارية التي يتخذها المنتدى آلية للتفكير المؤسساتي المشترك والهادف لإنشاء نص تفاعلي غايته تعدد الآراء واحترام ما تسفر عنه من اختلافات تزيد المنتدى ثراء والدرس النقدي عمقًا وتحليل الخطاب رسوخًا. وأكمل السريحي حديثه: حرص المؤسسون على الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة حين تم إنشاء صفحة على الفيس بوك وأخرى على تويتر، وقد مكنه ذلك من توسيع عضوية المشاركين لتشمل جملة من الدارسين والباحثين من المملكة والوطن العربي، واستقطاب مئات المتابعين من مختلف أنحاء العالم العربي، وبذلك يحقق المنتدى واحدة من غاياته في إشاعة المعرفة. واستطرد: حرص مؤسسو المنتدى على تجنب ارتجال التعليقات، وهو أمر لا تكاد تخلو منه الندوات التي يقدم فيها الباحثون أوراقهم دون أن يتمكن المتابعون لهم والمعلقون عليهم من الاطلاع على تلك الأوراق قبل تقديمها، والأمر الآخر تعرض تلك التعقيبات للضياع ما لم يتكلف القائمون على المنتديات عبء تسجيلها، ومن ثم استنساخ تلك التعقيبات الشفاهية المرتجلة، وإعادة صياغتها وإلحاقها بالأوراق التي جاءت تعقيبًا عليها، ولهذا التزم المنتدى بتنظيم يتمثل في أن يبعث الباحث ورقته للمنتدى قبل شهر من موعد جلسة مناقشتها، وتُنشر تلك الورقة على موقع المنتدى على صفحة الفيس بوك ليتيسر للجميع الاطلاع عليها، كما التزم الراغبون في التعقيب بإرسال تعقيباتهم على الورقة إلى المنتدى ليتولى نشرها أيضًا، وبذلك تتاح الفرصة لمن هم خارج مدينة جدة وهي مقر المنتدى المشاركة بالتعقيب، ويكتفى عند انعقاد الجلسة لمن يتمكن من الحضور بتداول ما بعد التعقيبات، وإتاحة التعليق المرتجل بعد ذلك لمن لم يتسع وقته لكتابة تعقيبه مسبقًا، وحين يوافي صاحب الورقة المنتدى مناقشته للتعقيبات التي وردت والتعليق عليها تُنشر مناقشته على الموقع، ويكون ذلك ختامًا للجلسة التي تُعد لإصدارها في كتاب. "انتفاء النفعية" وقال د.عبدالله بن علي الخطيب أستاذ اللغويات المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز: أُسس المنتدى لغاية محددة هي تعزيز حضور النشاط النقدي في الفضاء السعودي والعربي، ولتجاوز حالة الركود نحو الاجتهاد النقدي الحيوي والحر، واصفًا المنتدى بالتفرد في هذا الجانب لتعدد آليات المقاربة للموضوعات المطروحة للنقاش. بمعنى أن الورقة المطروحة للنقاش تحظى في كل مرة بنوع من تعددية التلقي النقدي: تعقيبات مكتوبة، لقاء (تدارسي) يتجاوز التعقيبات المكتوبة إلى طرح تساؤلات إضافية وتحرير التعقيات، بعد ذلك ينتظر أن تؤدي كل هذه المقاربات إلى تحرير كتاب يشمل: الورقة الرئيسة، التعقيبات، التعقيب على التعقيبات". وحول تجربة المنتدى لهذا العام قال: ما عدا ورقيتن أو ثلاث غلب عليها المقاربات اللغوية واللسانية، فقد لفتت بقية الأوراق الانتباه إلى أفكار نقدية لغوية على قدر كبير من الأهمية. بعد تجربة العام الماضي، رأى بعض الزملاء أن المنتدى رغم أهمية تجربته مع المقاربات اللغوية، إلا أنه بحاجة إلى التوسع نحو النقد الأدبي ومقاربة موضوعات لصيقة بالواقع المعيش، ما أدى إلى الاتجاه، في الدورة الثانية، نحو محاولة التنوع في طرح موضوعات تتيح للمنتدى سبر أغوار ظروف إنتاج هذا الواقع المعيش، وتهيئة النقاش المجتمعي حول هذه الظواهر، ليس لغرض البحث عن الحقائق وإنما لمحاولة كشف التقنيات والآليات التي تسير وفقها هذه الظواهر الأدبية والاجتماعية، ساردًا بعض الأمثلة لما ناقشته الأوراق مثل: القيمة في الظاهرة الأدبية، حضور الجسد في الفضاء الاجتماعي، خطاب الترفيه، قلق الهوية، وغيرها. خاتمًا كلامه: ولا بد من القول إن المنتدى يعمل للمعرفة، وهو منتفي النفعية ومنزّه عن الأغراض الأيديولوجية، ويتكئ على جهود أعضائه فقط، وهنا لا بد من كلمة شكر لا تنتهي لفرع جمعية الثقافة والفنون بجدة، التي تستضيف وتحتفي بأعمال المنتدى. "تجربة مختلفة" وبدوه، تحدث الدكتور خالد الغامدي - أستاذ اللسانيات الثقافية بجامعة الطائف - عن تجربته في هذا المنتدى الفتي، التي تعرف من خلالها مباشرة على أقلام واعية وعميقة، تشارك معها هم المعرفة بوصفه عنصرًا وظيفيًا فعالًا في بناء الثقافة، لا مجرد معلومات يستمتع بها، أو تقطع بها الأوقات، أو يعبر من خلالها إلى عالم الصداقات، فالمعرفة - كما يرى الغامدي - لا تفتح بابها إلا لمن يأتيها لذاتها وفي ذاتها. وقال: ولأن النقد الحر - بالمعنى الواسع للنقد - هو جوهر المعرفة، ألزمت نفسي بترك المجاملة فيها، ولو كان في ذلك أحيانًا شيء من المرارة، فحلاوة البحث عن الحقيقة ينبغي أن تكون هي الشعور الجماعي للمتحاورين، فلا تلبث تلك الحلاوة أن تحيل المرارة عنصر لذة في رحيق يستعذبه الجميع. وزاد: ولأن المعرفة هي رؤية معينة ألزمتُ نفسي أيضًا بأن أتناولها ابتداء أو حوارًا من خلال رؤيتي المقاصدية الخاصة التي ظهرت في كتاب "نظرية العرف اللغوي - نحو منهج في علم اللغة الثقافي"، ورأيتها فرصة مناسبة لمزيد من اختبار الرؤية وتوسيع مدى تطبيقها على موضوعات متنوعة وبأساليب مختلفة. أحدث نفسي أحيانًا بأن الأمر يمضي - منهجيًا - على ما يرام لولا أن المنتدى لم يعلن رؤيته إلى الآن، فما هذا النشاط الذي يمارسه الأعضاء قبل أن ينصوا على بيانهم النقدي؟! وماذا عسى أن تكون نتائجه؟! ولكني أعود فأقول لعلهم لو أشغلوا عقولهم بوضع بيانهم قبل أن ينطلقوا إلى وديان المعرفة وشعابها، مكتفين بشعورهم الجماعي الغامض وحدسهم المشترك لأعاقهم بيانهم! ففي بدء البحث المشترك عن المعرفة يكفي الجماعةَ رؤيةٌ كلية مجملة، يتداولونها شفاهًا، فالنشاطات المتراكمة ستكمّل نواقصها، وتفصل مجملاتها، وتسد ثغراتها، وحينئذ يجدون أنفسهم يضعون بيانًا هو في ذاته نتاج بحث وحوار، وإن كان أساسه نقطة توليد للنشاط، وهذا النمط من البيان هو أرقى وأمتن استراتيجيات المعرفة التي تعلنها مدارسها ومنتدياتها. ووصف الغامدي هذه التجربة بالرائعة؛ فهي التجربة الأولى التي مارس فيها المعرفة المشتركة، من خلال جماعة معرفية محترمة يحب أعضاؤها المعرفة ويتخلقون بآدابها، راجيًا أن يكون هذا الملتقى نواة مدرسة تؤسس منهجًا للمعرفة والنقد وتحليل الثقافة، يتسم برؤية مقاصدية متميزة، تكون منارًا للناس من قلب الإسلام والعروبة. "مقاصد كبرى" من جانبه، يقول الدكتور محيي الدين محسب عميد كلية دار العلوم الأسبق جامعة المنيا في مصر: المنتدى بحق هو "وليد التشبع بمقاصد ثقافية كبرى وتمثلها" على حد عبارة أحد فرسان المنتدى (د. خالد الغامدي). والحق أن ممارسات المنتدى العملية لتكريس مفهوم "المقاصد الثقافية الكبرى" قائمة على أرض جدلية بالغة الخصوبة، فأنت مع المنتدى تجد أن "ما يراه الآخرون مسلمات يراه هو مشكلات، وما يرونه ثوابت يراه متغيرات"، والعبارة أيضًا للدكتور خالد الغامدي. ويضيف محسب: فكل أمر معرفي وثقافي يتم طرحه في المنتدى للمساءلة النقدية. النقدية بمفهومها الواسع؛ أي ما يقابل critique. وإن شئت أن تعدد من هذه المقاصد ما تشاء فقل إن في صدارتها يأتي تكريس قيمة "الحوار المعرفي"، والغرس العملي لتعدد الأصوات واجتماعها على احترام اختلافاتها، بل تفعيل هذه الاختلافات حفزًا واستنهاضًا، ويكمل: ولقد أطلقت الدكتورة رانية العرضاوي ذات مرة وصفًا بليغًا هو "الإصرار البهيج على استثارة الأسئلة المشكلة". وكأني بها عبارة قُدَّت لتصف فعاليات هذا المنتدى منذ أن تحلق كواكبُه المرموقون والمرموقات حول أحد رموز رعاية بهجة الأسئلة في ثقافتنا العربية المعاصرة؛ سعيد السريحي، الذي قاد إطلاق شمس هذه المبادرة الفريدة في فضائنا الثقافي والمعرفي. وزاد: حين تسألني عن البعد المعرفي لهذا المنتدى فإنني أحيلك إلى تميز طبيعته النوعية من جهتي المضمون والوسيلة لإيصال هذا المضمون. فالمنتدى رائد في العثور على صيغة فريدة لصناعة نمط جديد من المثقف/الناقد العضوي؛ أي المثقف الذي ينخرط في صناعة الوعي، وفي صياغة تصورات للممارسة الفكرية، وفي إيجاد سبل عملية لاختبار هذه التصورات وتفاعلاتها بين أعضاء جماعته الثقافية وعند أعضاء المجتمع المتلقي. ومن هذا المنظور يمكنك تقدير هذا التراكم الثري الثمين الذي حملته أوراق المشاركات المعرفية في المنتدى ودورانها في اتجاهات وخطابات وقضايا متنوعة داخل حقول اللغة والأدب والدراسات الثقافية وتحليل الخطاب. وفي الوقت نفسه أحيلك إلى أوراق التعقيبات حول هذه المشاركات، وإلى مداخلات الحوارات التي انعقدت في جلسات المنتدى حول هذه المشاركات. وكل ذلك يجد طريقه إلى وسيلة البث في الفضاء الشبكي ليتفاعل معه المتلقي العام. ويختم: إننا أمام نص ثقافي ومعرفي متعالق يتمدد كلما دخل حاضنةَ وسيلةٍ مغايرة. وهذه لا شك فرادة في خروج الفعل المعرفي الثقافي وإخراجه من أسوار القاعات إلى فضاء التداول العام. "منهجية واضحة" من جانب آخر، يرى د. وائل الكردي - أستاذ المنطق وفلسفة العلوم - إن ميزة عصرنا الراهن هي أن إدارة أي عمل ناجح تكون بالتزام منهجية التنظيم النسقي له بما يحقق الأثر اللازم لتطوير العقل الفردي والمجتمعي، ومن ثم تطوير الشكل والمضمون الحضاري العام لأي أمة من الأمم. ويقول: وهذا ما أسس له بقوة (منتدى جدة للدراسات النقدية وتحليل الخطاب)، أولًا – بأن قسم الإنتاج الفكري له على هيئة دورات، وجعل هناك خطًا أو اتجاهًا أساسيًا للبحث للدورة الواحدة بين كل الأوراق المقدمة للتداول، إضافة إلى التعقيبات النقدية والتحليلية والتكميلية المدونة عليها، بحيث تتسم الدورة في عمومها بوحدة نوعية. وثانيًا – تحقيق مبدأ (التكامل المعرفي) بصورة بارزة بين جميع الدورات من حيث مراعاة التصميم "الغرض البحثي" لكل دورة وأوجه الاشتراك فيما بينها لكي ينتهي الأمر على نحو أقرب إلى تكوين رؤية كلية شاملة. وعلى هذا المبدأ، والكلام للكردي: تم تصميم الدورة الأولى على خط بحثي أساسي بالتركيز على الطابع النقدي على الاتجاهات الفكرية النحوية والأنماط اللغوية والعرف اللغوي والتداولية اللغوية وما نحو ذلك. ثم جاء تصميم الدورة الثانية في تكامل معرفي ضروري مع الأولى باتجاه بحث أساسي يرتكز على الجانب الفلسفي بصدد الرؤى والتفسيرات والتصورات الفلسفية وعلى تماس مع الجانب اللغوي. لتكون بذلك حصيلة الدورتين، وما سيأتي بمشيئة الله، مما يؤلف الدائرة الكلية للتفكير النقدي العام والشامل، الذي هو ضرورة لأجل بناء حضاري ثقافي متقدم، ولأجل بناء تنموي إنساني فاعل. ويوضح: المتابع لأوراق ومداولات المنتدى يجد أنها احتفظت جميعها بمستوى رفيع ثابت في كل الدورات، وهذا راجع إلى قوة البناء العلمي والثقافي للأساتذة الأعضاء فيها على اختلاف جنسياتهم وتخصصاتهم. فمنهجية المنتدى قد نجحت في توحيد الصف الفكري والتفاعل المشترك للباحثين، الذي كان للمؤسسين والمشرفين على المنتدى القدح المعلى في تحقيقه. "ملامح وسمات" وأشار د. صالح زياد - أستاذ النقد الأدبي بجامعة الملك سعود - إلى ملامح مميزة في هذا المنتدى، أولها: تنوع وتعدد أعضائه وعضواته في اختصاصاتهم العلمية؛ فهناك نحاة أو بلاغيون أو متضلعون في المعرفة بالتراث العربي الإسلامي، ومهتمون بالدراسات الأدبية والنقدية الحديثة، وخبراء في اللسانيات أو في أحد فروعها الدقيقة، ومختصون في اللغات الأجنبية أو في العلوم الاجتماعية... إلخ. وقال: لا يقتصر تنوع الأعضاء وتعددهم على مرجعيات اختصاصهم، فهم - إلى ذلك - من أجيال مختلفة، شيوخ ينيفون على السبعين أو حولها، ويحملون خبرة وبروزًا، وصفٌّ من المخضرمين تتفاوت أعمارهم، وجيل من الشباب المكتنز بالفتوة والطموح. ولم يمنع مقر المنتدى ورئاسته في جدة الأعضاء من الانتماء إليه والإسهام في مناشطه من مناطق مختلفة في داخل المملكة وخارجها، فأعضاؤه من جدة ومكة والرياض والقصيم والطائف والباحة وعسير وجازان والقنفذة ومن مصر والمغرب. وأضاف: أما الجانب الأهم في اهتمام المنتدى، ومحور تألفه وانبنائه، فهو الموضوع المعرفي النقدي في وجهته إلى تحليل الخطاب ونقد الفكر والثقافة. وهو موضوع يلقى حماسًا لدى أعضائه وجديةً، وقدرات متفاوتة في الاحتجاج والتحليل، واختلافًا في وجهات النظر، وهذا كله هو وقود المنتدى الذي يدفعه إلى الاستمرار، ويجمع بين أعضائه، ويضفي على الأرجح المودة والاحترام بينهم. معتبرا أهم سمات المنتدى، هي براءته من الشُّللية، موضحًا: أعني بها التألف لأسباب الصحوبية والرفقة والعلاقات الشخصية، ومع هذه السمة سمة أخرى وهي عدم الاستبداد برئاسته والاستئثار بها، فتداول هذه الرئاسة مشروع كما أراد له صاحب الفضل الأول في تأسيسه الدكتور سعيد السريحي، والمنتدى يدين كذلك بالشكر والثناء لمدير جمعية الثقافة والفنون في جدة الأستاذ محمد آل صبيح وزملائه. "مدرسة واعدة" ويذهب الدكتور حسن مشهور - أديب وناقد - إلى أن التَشكُّلات الأدبية التي تتولد نتاج وجود ائتلاف فكري بين جملة من المثقفين، تسهم في إحداث ممارسة أدبية أو نقدية منزاحة، تتسم في مجملها بالإيجاب، وتنحو في تعاطيها مع النتاجات الأدبية باتجاه مغاير للممارسات النقدية والأدبية التي تتسربل بالاعتيادية على الدوام. وقال: عند تأسيس منتدى جدة للدراسة النقدية، كانت الفكرة المسيطرة تتمثل في تقديم تجربة نقدية تثري الحركة الإبداعية، وتمثل ذراع رفد للتطورية الأدبية والحراك الثقافي في الداخل السعودي. منبهًا إلى أن هذا التوجه يأتي على غرار ما جرى في روسيا القيصرية عام 1910م، أي في بدايات القرن العشرين، حين انتظم جملة من المثقفين في منتدى للإبداع الأدبي عرف عالميًا باسم (الأوجيه Acmeisme)، حيث تولدت عنه لاحقًا حركة نقدية مثَّلَها الشكلانيون الروس، لتتمكن لاحقًا من تغيير خارطة العالم النقدية بحيث كان من تداعيات تشكلها أن قامت في العالم جملة من المدارس النقدية بنيت على مناهج نقدية علمية، لعل من أشهرها البنيوية ونقيضتها التشريحية اللتان ظهرتا في فرنسا وبقية دول أوروبا. ويضيف: تأتي أهمية منتدى جدة للدراسات النقدية في كونه يؤسس لخطاب نقدي جاد، يقوم على أطروحة تفكيك القالب النسقي والتشكيلي للنص الإبداعي وفق منهجية علمية احترافية. ويشير إلى أن ذلك يتم بمنأى عن التأثر بشخصية مبدع النص، فكاتب النص في عرف أعضاء منتدى جدة يقف بالتوازي مع أقرانه من المبدعين؛ أي أن تعاطي أعضاء المنتدى قائم على المهنية البحتة بغض النظر عن كون مبدع النص ممن قد تم ترميزه أو ما زال أديبًا هاويًا يخطو خطواته الأولى في عوالم تشكيل النص. فالنص في ذهنية أعضاء وعضوات المنتدى هو الفيصل وإليه يتم الاحتكام. الأمر الذي يبشر مستقبلًا بوجودية أدبية سعودية يشار إليها بالبنان وبدرس نقدي سعودي واعد. "منصة ثرية" فيما تعتبر د. علياء العمري - باحثة في علم الاجتماع وتحليل الخطاب - منتدى جدة للدراسات النقدية وتحليل الخطاب منصة ثرية للمثقفين من مختلف الأطياف والتخصصات لمناقشة إسهاماتهم الفكرية وقراءاتهم النقدية في إطار غير ربحي أو نفعي، فالمشاركة في المنتدى مدفوعة برغبة ذاتية والتزام أخلاقي من قبل الأعضاء من مختلف التخصصات. قد نختلف في التخصصات العلمية والاهتمامات الثقافية، ولكن نتحد في الهدف الأسمى وهو الرغبة في التفكير النقدي وإنتاج الأفكار. وتضيف: نحن في مرحلة صناعة الأفكار وإضفاء المعاني من خلال إثارة التساؤلات النقدية التي تعمل على إثارة الجدل وزعزعة حالة الجمود الفكري، فالأجيال المقبلة والجيل الحالي سيجدون حصيلة نقدية ومعرفية مهمة جدًا، وقد تساهم هذه الطروحات النقدية في فتح مجال كبير لفهم الأفكار ومناقشتها والاعتراض عليها بصورة إنسانية وموضوعية، خالية من التعصب والسيطرة. وتستطرد العمري: الاستمرار في تقديم موضوعات معرفية متنوعة يسهم في تأصيل الدور التنويري لهذا المنتدى، فالخطابات التي تنتج فيه تمثل خطاب العقل لا الوجدان والعاطفة، وهذا فعليًا ما نحتاجه في هذه المرحلة، وهو ما أهتم به كباحثة في علم الاجتماع، فالأطروحات النقدية التي تتم مناقشتها تمهد لخلق قاعدة معرفية تسهم في ظهور مجتمع المعرفة، وهذا - في رأيي - أحد أهم العناصر المعرفية في الوقت الحالي.. كيف نفكر؟ وكيف نفهم؟ وكيف نتداول المعرفة؟ وكيف نصدرها وننتقدها ونبني فكرًا بجانب فكر؟ كل هذا يعتبر من الأمور الأساسية والمنهجية التي تتيح للمهتمين في مجالات فكرية وعلمية متنوعة أن يكون المنتدى منصة لنتاجهم الفكري الواعي. "زخم معرفي" وبدوره يقول سلمان السليماني كاتب وناقد: البعد المعرفي لاشتغالات المنتدى بتحليل الخطاب يرتكز على الفهم، الفهم المؤدي إلى استمرار نهج المعرفة والإنتاج المعرفي على حد سواء، متصورًا أن كل معالجة للمعرفة الكونية، هي لغاية الفهم، بكل تجرد؛ وبالتالي التعامل مع المعرفة في صيغ جدلية وحوارية، أو تداولية واستعمالية، أو من منطلق التلقي والتفاعل، وهكذا على امتداد قدرة الإنسان على التعامل مع كل ما يظهر وينجلي من معرفة شاملة كامنة في صميم تكوين وكيان الإنسان. مؤكدا أن المنتدى استطاع شحذ ملكة التحليل الخطابي بشكل خاص، والتحليل المعرفي بشكل عام؛ ولقد خدمت الأوراق المطروحة اهتمامات الباحثين في التواؤم معها والعمل عليها لتفعيل مكتسبات الباحثين المنهجية والمعرفية والتحليلية. ويرى السليماني أن جلسات النقاش كانت، وبشكل متصاعد وجلي، تبعث على بسط أشرعة الإبحار في التجاذبات النقاشية الفتية ذات الطابع الملهم، مذكرا بأن جلسات النقاش والموضوعات والطروحات الموازية للأوراق البحثية، كانت في غاية الألق البحثي والتحليلي، حتى صارت جلسات النقاش تحفل بزخم جدلي وتداولي ثري جدًا، قد يتجاوز أحيانًا مستوى الأوراق البحثية المطروحة. السليماني: يؤصل التحليلين الخطابي والمعرفي محسب: ينقل المعرفة إلى فضاء التداول مشهور: يمزق سربال الاعتيادية النقدية الغامدي: يؤسس منهجًا لتحليل الثقافة الكردي: يوحد الصفين الفكري والبحثي زياد: يرفض الشللية والاستئثار والذاتية الخطيب: يجابه الركود بالاجتهاد الحر السريحي: يبلور النقد وفق عمل مؤسساتي العمري: يرتكز على خطاب العقل