مما ورد عن الأديب الأميركي مارك توين بأنه قد قال: «إذا أردت أن تأكل الضفدع، فلا تطل النظر إليه». وفي هذه رمزية بأن التدقيق في تفاصيل الأمور يحرم الإنسان من الاستمتاع بما فيها، وأحيانا إطالة التدقيق قد يمنع الفرد من الوثوق بكل شيء، بالإضافة إلى ذلك فإن أكثر الناس ليسوا فقط ممن يطيلون النظر وإنما لا ينظرون إلا إلى العيوب غاضين الطرف عن الجمال وقد قيل: وكنت إذا الصديق أراد ضيقي وأشرقني على ظمأ بريقي سترت عيوبه وكتمت غيضي مخافة أن أعيش بلا صديق لكي نبني علاقات متينة مع الناس لا بد من غض الطرف عن كثير من الأمور والتي من شأنها إحلال فجوة في العلاقة، فالعلاقة ما بين البشر مبنية على الخلاف أولاً قبل الاتفاق، فكل فرد ينحدر من سلالة جينية مختلفة، وينحدر من ثقافة دينية واجتماعية وفكرية مختلفة، ومع وجود هذه الاختلافات تبنى العلاقات ليس وفق البحث عن المشترك وإنما في صهر كثير من حواجز الخلافات لكي نجد أرضاً خصبة تنمو وتزدهر عليها العلاقة الإنسانية، ومما جعل العلاقات في عصرنا الحديث أكثر توتراً وأقل إثماراً والأقصر استدامة هو الإيمان المغلوط بأن بناء العلاقة إنما تتم وفق الاتفاق المطلق والذي قد يولّد النفاق والمجاملة وانعدام النصيحة حال الحاجة والولوج في دهاليز الكذب أحياناً، وليعلم الجميع أن العلاقة لا تُبنى بين البشر وفق الاتساق أو الانسجام بل في أمر أبسط من ذلك وهو: «السكن»، الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز حيث أشار، لأن أساس بناء العلاقة الزوجية -وهي الأمتن- إنما يكون وفق مواصفات معينة أولها وجود «السكن» ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، وتشير لفظة السكن هنا للارتياح والقبول والشعور بالطمأنينة قبل وجود مواصفات الزواج الأخرى كالجمال والحسب والنسب وما إلى ذلك. وفي علاقتنا مع البشر لا بد أن ننتبه لمضمون «السكن»، فمن تبني علاقتك به ليس بالضروري أن يكون خالياً من العيوب -ومن البشر ليس به عيب- ولكن كونه سكن لك في حياتك كفيل بأن يكفّن ما يعيبه. ومن مؤشرات ذلك السكن في العلاقة الإنسانية أن يكون الشخص قريباً منك في الأزمات فهو أول من يسأل حين تغيب، وأول من يهب لمساعدتك حال الحاجة، وأول من ينبري للدفاع عنك في غيبتك، وأول من ينصرك في ظلمك، وأول من يردعك عن ظلمك، وأول من ينصحك بصدق حتى لا تقع في الخطأ، ويكفي من السكن في الصداقة أن يكون الصديق غير معيناً لك على الباطل ولو كان يفعله. وقد تتعجب أحياناً أن علاقة توثقت بين اثنين والسبب أن أحدهم ردع أحدهم عن شر وباطل قد وقع فيه ولا يريد صاحبه أن يقع فيه، قد يتطلب منك هذا الأمر دهراً كي تنتقي من تصاحب ليكون في دائرتك المقربة ولكن الثمرة لا تُقاس بطول العهد وإنما بمذاقها.