يمثل الاقتصاد في كل دولة أهمية كبرى حيث تكمُن أهميته بشكلٍ رئيس في تحسين مستويات المعيشة، وجعل المجتمع مكانًا أفضل، فتعتمد رفاهية أي دولة من الدول واستقرارها على وضع الاقتصاد فيها، وفي بلادنا يحظى الاقتصاد الوطني بالاهتمام المتواصل على مر العصور، مما أسفر عن استقرار الأعمال الاقتصادية والتجارية وتوسعها ونموها، لكن ثمة عقبات تواجه النمو الاقتصادي وعلى رأسها ظاهرة التستر التجاري التي أخذت في التزايد منذ سنوات، وقد عملت الدولة -رعاها الله- على الحد من هذه الظاهرة التي لها عواقب وخيمة من أبرزها الإضرار بالاقتصاد الوطني بالتسبب بالعديد من المخاطر الأمنية والاجتماعية، وفي زيادة حالات الغش التجاري، ويقصد بالتستر التجاري تمكين شخص غير سعودي -أي من الوافدين- من العمل لحسابه سواء أكان ذلك من خلال مواطن مقيم أو عبر المستثمر الأجنبي، ويكون التستر قائماً على استخدام الاسم الخاص بالمواطن أو المستثمر، أو العمل تحت ظل الترخيص الممنوح لواحد منهما، وكذلك قد يكون عن طريق استخدام السجل التجاري الخاص بهما. مهلة تصحيحية ويتخذ التستر التجاري عدة صور، مثل: وجود عقد قانوني بين الطرفين ولكن بشكل غير واضح، أو من خلال تأجير المؤسسة للوافد، وقد كشفت وزارة التجارة عن وجود سبع حالات يعد من تنطبق عليه مرتكباً لجريمة التستر التجاري، مبينةً أن عقوبات هذه الجرائم تصل إلى خمس سنوات سجن وغرامة تصل إلى خمسة ملايين ريال، وهذه الحالات تشمل قيام غير المواطن في المنشأة بمنح مالكها مبلغاً مقطوعاً شهرياً أو سنوياً، ويتصرّف غير السعودي في أموال المنشأة بالإيداع والصرف والتحويل داخل المملكة وخارجها، وامتلاك العامل غير المواطن أوراق المنشأة التجارية ومستنداتها وشيكاتها وعقودها الموقعة من المالك على بياض، كما أن الحالات تضم أيضاً وجود شراكة بين مالك المنشأة وغير السعودي الذي لا يملك ترخيصاً للاستثمار، وإقرار غير السعودي الذي لا يملك رخصة استثمار أجنبي للأرباح التي توزع على الشركاء في الشركة وتحديد آلية توزيعها، وتشمل الحالات دخول إيرادات المنشأة وأرباحها مباشرة في حساب غير السعودي وليس في حساب المنشأة، وتشغيل مالك المنشأة لسماسرة أو وسطاء بسجله التجاري وعقودهم على جهات أو أشخاص آخرين، وقد منحت وزارة التجارة المخالفين لنظام مكافحة التستر مهلة تصحيحية لأوضاعهم بلغت ستة أشهر بدأت في 28 فبراير 2021م، وتم تمديدها لمدة ستة أشهر إضافية في أغسطس 2021م. آثار سلبية ويعرّف التستر التجاري وفقاً لأحكام المادة الأولى من نظام مكافحة التستر بأنه تمكين الوافد من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابه، أو بالاشتراك مع غيره محظور عليه ممارسته، أو لا يسمح له نظام استثمار رأس المال الأجنبي أو غيره من الأنظمة والتعليمات ممارسته، ويعتبر المواطن متستراً في حالة تمكين الوافد من استخدام اسمه أو ترخيصه أو السجل التجاري لممارسة النشاط التجاري، كما يعتبر متستراً كل أجنبي حاصل على ترخيص استثمار أجنبي وقام بتمكين وافد آخر من العمل لحسابه خلافاً لنظام استثمار رأس المال الأجنبي، حيث يؤدي التستر إلى تهرب الوافد من الرسوم التي يتطلبها نظام الاستثمار الأجنبي من خلال عقد صوري بالراتب والميزات، وعليه فإن كشف مثل هذه القضايا تكتنفه صعوبات عدة، وتكمن مخاطر التجارة المستترة في استنزاف عنصرين ينعكسان آثارهما على الاقتصاد الوطني وهما رأس المال والعمل، فرأس المال ينتج عن الأرباح الناتجة من التجارة المستترة التي يتم تحويل معظمها الى الخارج، وفي أغلب الأحيان ينتهج الوافد أقصى عمليات تعظيم الأرباح على حساب المستهلك، أمّا العمل فيكمن في أن الوافد هو مالك المشروع ويسعى إلى توظيف عمالة وافدة مثله، مما يجعل له آثاراً سلبية على سوق العمل في المملكة. مزاحمة المواطنين ويعد التستر التجاري بكافة أشكاله جريمة مخالفة للقانون، وخيانة للوطن، ومضرة للاقتصاد الوطني، وله آثار وأضرار كبيرة، منها» أنه يتسبب بدرجة كبيرة في إفشال سياسات الاستقرار الاقتصادي في المملكة، ويشوه المؤشرات اللازمة لوضع السياسات الاقتصادية المختلفة، والتي من أهمها مؤشرات الأسعار ومعدلات البطالة ومعدلات النمو الاقتصادي، وهناك تأثير سلبي بالغ على فعالية السياسة النقدية في الاقتصاد، فزيادة الأنشطة المختلفة في إطار معاملات التستر التجاري يؤدي إلى زيادة الطلب على النقود ويصبح أحد الدوافع الأساسية للاحتفاظ بها، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على فعالية السياسة النقدية، فأغلب الأرباح الناجمة عن التستر تحول الى خارج المملكة، مما سيؤدي إلى إضعاف الكفاءة الاقتصادية، والإخلال بتوزيع الموارد، وخلق المنافسة غير المشروعة للمواطنين، ولا سيما أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك زيادة حالات الغش التجاري، كما يسهم التستر التجاري في نمو البطالة، لاقتصار التوظيف في مشروعات التستر على العمالة الأجنبية، مما سيضعف فرص التوظيف للعمالة المواطنة، وتزايد أعداد العمالة الوافدة، ومزاحمة المواطنين في أعمالهم بصورة غير مشروعة، واحتكار الوافدين لبعض الأنشطة التجارية، مما سيؤدي إلى زيادة أعباء الإنفاق على المرافق الخدمية والصحية والتعليمية بسبب وجود أعداد كبيرة من الوافدين بالمملكة، أمّا من ناحية الآثار السياسية والأمنية فإن وجود أعداد كبيرة من الوافدين وأبنائهم وتعدد جنسياتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم يجعلهم يشكلون تهديداً لأمن البلاد، ومن الآثار الاقتصادية هجرة رأس المال إلى خارج البلاد، كما أوضحت وزارة العمل ضخامة تقديرات عوائد ظاهرة التستر التجاري عبر تحويلات العاملين الأجانب المسجلين رسمياً في وزارة العمل، وهذا ما يفقد الاقتصاد الوطني ما يقارب نصف التحويلات المالية للأجانب. رقابة صارمة وقال البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري: إن المصححين لأوضاعهم سيستفيدون من المزايا التي قررتها اللائحة، والتي تشمل الإعفاء من العقوبات المقررة في النظام وما يترتب عليها من عقوبات أخرى، والإعفاء من دفع ضريبة الدخل بأثر رجعي، وذلك لضمان مزاولة الأنشطة الاقتصادية بشكل نظامي، وأكد وزير التجارة استفادة عدد من المنشآت الكبيرة والمتوسطة تجاوزت إيراداتها السنوية أكثر من ستة مليارات ريال من الفترة التصحيحية خلال الفترة الماضية، وذلك عبر خياري الشراكة في المنشأة بين السعودي وغير السعودي، وتسجيل المنشأة باسم غير السعودي، مبيناً أن الوزارة تواصل النظر في طلبات تصحيح أوضاع المنشآت في مختلف الأنشطة والقطاعات من جميع الأطراف -السعوديين وغير السعوديين- منذ بداية الفترة التصحيحية، كما كشف البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري عن أن طلبات التصحيح الواردة لوزارة التجارة خلال فترة التصحيح شملت مختلف الأنشطة الاقتصادية، من أبرزها تجارة الجملة والتجزئة، والمقاولات، وخدمات الإقامة والطعام، والصناعات التحويلية، والنقل والتخزين، وأنشطة الخدمات الأخرى، وكانت الطلبات الواردة تنوعت بين خيارات التصحيح الستة والمحددة في اللائحة وهي: الشراكة في المنشأة بين المواطن وغير السعودي، وتسجيل المنشأة باسم غير السعودي، واستمرار السعودي في ممارسة النشاط الاقتصادي بإدخال شريك جديد في المنشأة، وتصرف السعودي في المنشأة، وحصول غير السعودي على الإقامة المميزة، ومغادرة غير السعودي المملكة، وكان البرنامج قبل انتهاء الفترة التصحيحية قد جدد دعوته لجميع الراغبين في تصحيح أوضاعهم إلى استثمار هذه الفرصة بالتقدم إلى الوزارة بطلب التصحيح لضمان مزاولة الأنشطة الاقتصادية بشكل نظامي، ويعزز تصحيح الأوضاع من استقرار الأعمال الاقتصادية والتجارية وتوسعها ونموها، فيما ستكون آليات العمل الرقابي بعد أن انتهت الفترة التصحيحية صارمة وبأساليب جديدة تعتمد على الذكاء الصناعي في تحليل بيانات المنشآت المخالفة وضبطها وإيقاع العقوبات المشددة عليها والتي تصل إلى السجن خمس سنوات أو غرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال أو بهما معاً. تفاعل المنشآت وتفاعلت الكثير من المنشآت التجارية مع حملة التصحيح وبادرت إلى تصحيح تجارتها، ومن الأمثلة على ذلك شركة لبيع الحديد والأخشاب بأبها، إيراداتها السنوية تتجاوز 160 مليون ريال، استفادت من الفترة التصحيحية لمخالفي نظام مكافحة التستر وأصبحت أعمالها نظامية، وشركة تعمل في تجارة الأغذية بحائل، صححت تجارتها، وإيراداتها السنوية تتجاوز 20 مليون ريال استفادت من الفترة التصحيحية وأصبحت أعمالها نظامية، وشركة لصناعة المنتجات الإسمنتية بالمدينة المنورة، صححت تجارتها، إيراداتها السنوية تتجاوز 18 مليون ريال، استفادت من الفترة التصحيحية وأصبحت أعمالها نظامية، وبعد انتهاء الفترة التصحيحية والتي امتدت عاماً كاملاً فإن العقوبة الصارمة ستكون في انتظار المخالفين والتي ستطالهم من دون أي رحمة، وهي تطبيق العقوبات النظامية الرادعة التي تصل إلى السجن خمس سنوات والغرامة لخمسة ملايين ريال. تلقي البلاغات للحد من المخالفات التحويلات غير النظامية تضعف الكفاءة الاقتصادية للمملكة إيجاد بيئة آمنة بعيدة عن التستر ينعش اقتصاد الوطن جهود متواصلة من أجل القضاء على التستر التجاري التشهير بالمخالفين والمتسترين