ربما استمعنا إلى مرافعة من محامٍ أو اطلعنا على مذكرة جوابية سيقدمها أو لائحة اعتراضية مكتوبة منه أو صحيفة دعوى قد رفعها، وكأننا نستمع إلى نص أدبي مميز ذي طابع خاص وأسلوب متناسق وتعبير لغوي رفيع متطابق ذي صفة خاصة، يتمثل في حُسن انتقاء الكلمات والأفكار والجمل، وفيه من جماليات الأساليب البلاغية والفصاحة القوية والألفاظ الجميلة والسهلة والمألوفة الاستعمال ما ينعش الوجدان والنفس ويستميل الآذان ويجذبها؛ فلاشك ولا ريب أن اللغة العربية والمحاماة علاقتهما ببعضهما علاقة وثيقة الصلة واتصالهما ببعضهما اتصال محكم وقوي وثابت، فهي جوهر عمل المحامي المتمكن، فالتمكين المهاري اللغوي الصحيح يساعد في تحقيق العدالة الناجزة ويقلل من التنازع والتخاصم والاختلاف حول تفسير النصوص وصيغ الكلام والأحكام والمصطلحات، والبناء القانوني الراسخ يقتضي بناءً لغوياً وتحصيلاً لمعارف اللغة ومهاراتها وأساليبها وطرقها، ومن أراد تميزاً واضحاً في القانون وتفسيراً وتحليلاً للنصوص والوقائع والأحكام لتوضيح الأسباب وليكون مدعوماً بفهم؛ فباب ذلك بناء لغوي قوي وثابت وتمكن مهاري كبير ومتقدم وذلك بالتضلع والترسخ والتعمق في علوم اللغة العربية والتدرب على إتقان مهاراتها بدقة عالية وبذل الجهد البالغ والعناية القصوى المستطاعة لتعزيز القدرات اللغوية ودعمها وزيادة تلك القدرات وتحسينها وتطويرها وتنميتها والتمكن من مهارات الكتابة السليمة للمساعدة على كتابة وصياغة الصحائف والمذكرات القانونية بمفردات قانونية قوية وعربية سليمة فصيحة. وبقدر التضلع والتعمق في معرفة اللغة العربية وعلومها تكون القدرة على فهم النصوص ومعرفة المقاصد وإدراك معانيها القريبة والبعيدة والقدرة على معرفتها وقوة الإلمام بها. ومن الملاحظ أن بعض المعنيين بالقانون يعتقدون أن موضوع اللغة والاهتمام بها يخرج عن دائرة اهتمامهم، وفي حال حصول الضعف اللغوي مهارياً أو معرفياً فإن ذلك يكون سبباً جوهرياً في نقصان وانخفاض البناء القانوني الصحيح لأي قانوني بشكل عام وللمحامي بشكل خاص.