للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف أ. علي معتوق الحرز صاحب مكتبة جدل من أكبر المكتبات الشخصية في القطيف، والتي لها عدة وظائف لخدمة المجتمع حيث تُقام فيها الندوات الفكرية والثقافية، كذلك توقيع إصدارات المؤلفين، كما تستقبل الطلاب والطالبات، والزوار من داخل المملكة وخارجها، وبها أرشيف يحتوي قصاصات من الصحافة السعودية للمنطقة والمملكة. * في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * وُلدت لعائلة فلاحية في بلدة أم الحمام إحدى بلدات محافظة القطيف لأب أُمِّي ووالدة متعلمة، تولت والدتي تعليمي الأبجدية الأولى إلى حين دخولي المدرسة في سن متأخرة في حدود الثانية عشرة بسبب اشتغالي مع الوالد في الزراعة، كان أول مدماك في حياتي القرائية حين اقتنيت سيرة عنترة ذات الثمانية أجزاء وعمري لم يتجاوز الرابعة عشرة. * هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * نعم، بدايات التأسيس في عام 1974م، كانت بدايات متواضعة من حيث العناوين وكانت مقتصرة على الملاحم العربية التي نقلتني إلى عوالم أخرى كالأدب خصوصاً عندما اقتنيت كتاب «جواهر الأدب» للكاتب المصري أحمد الهاشمي الذي داومت على قراءته حتى أبليته وكان هو كتاب «الموضة» في زماننا ومازال. * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * بعد أن أصبحت «ببلوماني» أي الهوس بالكتاب، أصبحت معارض الكُتب سواء في داخل المملكة أم في الوطن العربي هي ملاذي وصرت من زمرة المداومين لحضورها منذُ ما يزيد على نصف قرن في مواسمها وأصبحت هذه المعارض متعة نفسية لا تعدلها مُتّع أخرى. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * أبرز المنعطفات في نموّ المكتبة حين انتقلت من منزل العائلة إلى منزلي الجديد، وترافق هذا الانتقال مع نموّ مطرد في المكتبة من خلال كمية الكُتب ونوعيتها، كانت المكتبة في المنزل ولكن مع تمدد المكتبة أفقياً وعمودياً أصبح المنزل في المكتبة، إذ تتكون المكتبة من ثلاث قاعات كبيرة تحتوي على ما يزيد على ثلاثين ألف كتاب وقاعة رابعة للجرائد والمجلات وقاعة خامسة عبارة عن متحف ومعرض صور، وبعد المشورة مع الأصدقاء اخترنا لها اسماً ووقع الاختيار على تسميتها مكتبة «جدل». * نلاحظ كثرة أعداد الكُتب لكنها لم تُفهرس بشكل علمي لماذا؟ * بداية الفهرسة علم قائم بذاته وهو من علوم المكتبات، وفي مكتبتي اهتديت إلى فهرسة على غير المألوف المتبع في فهرسة الكُتب، إذ فهرستها إلى ثلاثة أنواع من الفهرسة، وهي حسب الموضوع كما هو متعارف عليه، وفهرسة حسب المؤلف، أي كل من له عدد إصدارات من المؤلفات يكون ضمن هذا التصنيف من الفهرسة، الثالثة حسب دار النشر وخصوصاً دور النشر النشطة والمميزة. * حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * البداية كانت مع كُتب الملاحم والسير وكُتب التراث خصوصاً الأدبي منها وكُتب التاريخ. * هل تحتفظ مكتبتك بمخطوطات؟ * أحتفظ في المكتبة بمصورات فنية لمخطوطات، أما الأصل فهي عالم آخر له مريدوه، أحتفظ في المكتبة بطبعات حجرية قديمة. * ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * الكُتب القديمة والنادرة وخصوصاً الطبعات الأولى منها فأنا أحتفظ بالكثير منها في المكتبة ذات التجليد كعب، فهي هوايتي المفضلة في اقتفاء والبحث عن كلما هو قديم في طبعاته الأصلية الأولى والذي تجاوز القرن في بعض طبعاته. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * في المكتبة قاعة تحتوي على ما يزيد على مئة ألف جريدة ومجلة سعودية وعربية وأجنبية بعض هذه الصحف والمجلات يزيد على عمر تسعين عاماً على صدورها، ولديّ مصورات لمجلات قديمة مثل: مجلة الرسالة، أبولّو، الكاتب المصري، الزهور، والكثير من المجلات. * هل يوجد في مكتبتك كُتب بتوقيع مؤلفيها؟ * في المكتبة ركن خاص لكُتب بتوقيع مؤلفيها، البعض من هذه الكُتب بالشراء وعادة في حفلات التوقيع المصاحبة لمعارض الكُتب والبعض الآخر بالإهداء لكتّاب سعوديين وعرب وأجانب. * ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبتك؟ * عندي الكثير من الكُتب التي تحمل طرافة العنوان وفي العادة تكون عناوين سجعية، مثل كتاب»فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» لمحمد بن المرزبان المتوفي عام 309ه، وكتاب «رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس» لابن كرّم الجثمي البيهقي. * هل طرافة عنوان الكتاب أم طرافة موضوعه من معايير اقتنائه؟ * لاشك أن غلاف الكتاب، لون الكتاب، رسومات الغلاف، لون الورق، حجم الحرف، دار النشر، عنوان الكتاب، كلها عتبات وعوامل تدخل في نفسية القارئ، وأهم خصيصة هو محتوى الكتاب في اقتناء القارئ له أو إحجامه. * ما أطرف المواقف التي حصلت أثناء البحث عن الكُتب؟ * المواقف الطريفة كثيرة حصلت لي على مدى نصف قرن وسوف أورد لك أحدها، كنت يوماً في سوق أحد الحراجات وكان زبون يقلب كتاباً نادراً ونسخة فريدة واحدة عند بائع الكُتب المستعملة، وكنت أنا وشخص آخر لا أعرفه ننتظر هذا الزبون علّه يتركها وهذا ما حدث حيث لم يناسبه سعرها وتركها ماشياً، وبلمح البصر انقضضنا عليها كالفريسة أنا والشخص الآخر وكلانا وضع يده عليها في آن واحد ولكنني اهتديت أن افاوضه كي يتركها لي عن طيب خاطر بمقابل مالي وهكذا أسفر الاتفاق على أن أدفع له مبلغ 200 ريال زائداً ثمن الكتاب وهو 500 ريال أدفعها للبائع. * ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها بما أنك مُهتم بالكُتب؟ * لكل حقبة زمنية من حياتي لون ثقافي وقد يحصل تداخل، كانت بداياتي مع قراءة السيّر والملاحم والأساطير التي أدخلتني إلى عالم الأدب، ثم مرحلة التاريخ العربي قديمه وحديثه وتاريخ الحضارات والأديان المقارنة ولكن في كل هذه الحقب الزمنية كانت الفلسفة هي التي تثير اهتمامي في جميع أدوار حياتي، ربما طريقتي مغايرة للكثير من المهتمين بالشأن الثقافي حيث الكثرة الكاثرة منهم تتخصص في أحد الأنساق الثقافية، أما طريقتي هي كما عبر عنها الدكتور عبدالوهاب المسيري في كتابه حوارات «الثقافة والمنهج» بالذئب الهيجيلي المعلومات بحيث يريد يعرف كل شيء. * ما القراءة بنظرك؟ * القراءة بالنسبة لي «سيمفونيتي» اليومية وشغلي الشاغل، القراءة هي إشراقة النفس التواقة للمعارف، هي كالماء الأُجاج كل ما شرب منه الصادي «العطشان» ازداد ظمأً، الإنسان القارئ والإنسان غير القارئ هي باختصار أن الأول فعّل غريزة المعرفة والثاني عطلها. * ماذا تُفضل المكتبة الورقية أم الرقمية، وما السبب؟ * غالبية جيلي ألِفوا ملمس الورق ورائحة الحبر، وتكيّفوا لطول السنين مع عالمهم وكل تقليبة ورقة من كتاب هي أشبه ما تكون «بنوتة موسيقية» طبعاً هناك من جيلنا من غادر الكتاب الورقي وطلّقه طلاقاً بائناً إلى العالم الافتراضي حتى أن البعض منهم وزع كُتبه الورقية مكتفياً بجهازه «الإلكتروني» وفي الأخير لا مشاحة عندي سواء قرأ في كتاب ورقي أم في الكتاب «الإلكتروني». * هل مكتبتك متخصصة أم متنوّعة؟ * المكتبة حجمها الكبير فهي مكتبة شاملة تغطي كافة المواضيع والتخصصات حتى التي لا تستهويني. * ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة به؟ * رسالتي والأعمار بيد الله خصوصاً لأصحاب المكتبات الكبيرة، أن يكتب وصية خاصة مُلزِمة للحفاظ على المكتبة في مكانها بعد رحيل صاحبها من هذه الدار الفانية حتى لا يكون مصيرها -لا سمح الله- لسوق الحراج تباع بأبخس الأثمان كما رأيت بعيني لعدّة مكتبات كان مصيرها الحراج أو -مع شديد الأسف- ذهب إلى مصانع تدوير الورق. * هل تعتقد أن الكتاب الرقمي يشكل تهديداً للكتاب الورقي؟ * من خلال ملاحظاتي في معارض الكُتب وخصوصاً معرض الكتاب الدولي في الرياض، نقول من المبكر لأوانه أن الكتاب الورقي فقد بريقه وتراجعت مكانته مُفسحاً المجال للكتاب الرقمي، أرى على العكس أن الكتاب الورقي مازال يتمتع بمكانته وخصوصاً عندنا في المملكة، وما الإقبال على معرض الكتاب الدولي في الرياض إلا دليل على تسنّمه عرش الثقافة حيث نشهد الزحام الشديد والقوة الشرائية على اقتناء الكتاب الورقي. المكتبة من ضيوف المكتبة طلاب المدارس أثناء زيارة المكتبة