يصبح الفن أكثر إمتاعاً حين يغادر قوالبه المعتادة، ويرتقي أكثر حين يحل وسط الناس ويتقاسم مع الجموع الأرصفة، يتجلى سحره حين يتيح جماليته وفرجويته لمن يراقبونه من الشرفات. وكما كان "ثيسبس" يقدم عروضه فوق عربته للناس من أجل نشره.. يظل مسرح الشارع أوضح التجارب القادرة على ربط المسرح بالحياة العامة. فسحة جميلة مسرح الشارع فسحة جميلة يمكن من خلاله إعادة الحياة في بقعة صعبة تجعل للمدن المختنقة متنفساً، ويسهم في رفد الحياة بفعل ثقافي عالي الجودة، ولا يمكن لمسرح من هذا النوع أن ينبثق دون أن يمتلك رؤية تجعل المسرح خبزاً عالي الجودة سائغ اللذة، فمسرح الشارع يرتهن لفهم حقيقي للمدينة -أي مدينة- وكيف يصبح المسرح جزءاً من تكوينها الثقافي وهو ما تحتاجه المدينة السعودية في أزمنة التحول وضمن مشروعات أنسنتها لتحقيق جودة الحياة. فحين نذهب بالفن للشارع يمكن أن ينتشر أكثر حين يمر عبر هواتف المارة وينتقل عبر حساباتهم الشخصية ومن خلال النشر عبر مجاميع الواتس أب. رهان واعد مسرح الشارع لا يمكن لنا أن نقول بانتشاره كتقليد، لكن من المبهج أن نرى توجهاً واعياً نحوه لأن هذا الشكل المسرحي قادر على أن يكون رهاناً مسرحياً يخرج بالفرجة إلى الأماكن العامة؛ ليحظى بالقبول وينشر المتعة في ذات الوقت؛ وذلك لأن مسرح الشارع صادق وهادف ومناوئ للزيف، وذلك انطلاقاً من كينونته: فهو فن مباشر يخلق الحميمية، وهو مسرح بسيط لا يعرف التشفير ويرفض أن يكون برموز معقدة. ولا نغالي حين نقول إن هذه النوعية من المسرح، جاءت رؤية الوطن الطموحة لتهبه مساحة الحضور. نادي جوقة المسرح هو نادٍ للهواة يأتي كأحد أندية جمعية أندية الهواة التي تقع تحت مظلة برنامج جودة الحياة، وقد قدم النادي مسرحية (سجناء أحرار) وهي عن مسرحية شرخ في لوحة فنان للكاتب المصري حامد أبو النجا -رحمه الله-، ومن دراماتورج أحمد علي العنزي، وأزياء هنادي الثنيان، وماكيير سامية النعماني، وإدارة مسرحية بدر الهويمل، وفني صوت عبدالله الفكي، وكريوغراف ماسة، ومن تمثيل أحمد علي العنزي ورشيد الدوسري وهنادي الثنيان وعبدالله عاطف، ومن إخراج رئيس نادي جوقة المسرح تركي باعيسى، وقد عرضت المسرحية في ساحة عود سكوير في حي السفارات بالرياض. سجناء أحرار قصة المسرحية تتحدث عن فنان تشكيلي منعزل في غرفته عن العالم وقرر أن يخرج للناس في أحد الأيام ليقدم لهم هدية وهي لوحة يرسمها لهم بناءً على اختيارهم، وفِي هذه الأثناء ينشأ بين هذا الفنان وعالمه الافتراضي صراع في مواجهة الإنسان ورغباته ومخاوفه عند تحدي الاختيار، وتتميز هذه المسرحية بأنها تجربة جديدة من نوعها في المسرح السعودي تتميز بتفعيل دور مسرح الشارع في سعي لمزيد من الأنسنة للمدن وشوارعها وميادينها. كما تميزت ببساطة حواراتها وتوظيف الأزياء والرقص والموسيقى بشكل يجعل منها مسرحية لطيفة وقادرة على الجذب وأكثر بقاءً في ذاكرة عابري الطرق.