أظهرت صور من قمر صناعي نشرتها شركة أميركية خاصة أعمال حشد عسكري روسي جديدة في عدة مواقع قريبة من أوكرانيا، مما يشير إلى أن استمرار موسكو في حشد قواتها وسط جهود دبلوماسية تهدف لتخفيف الأزمة. تجري روسيا تدريبات عسكرية مشتركة في روسيا البيضاء وتدريبات بحرية في البحر الأسود في إطار زيادة النشاط العسكري قرب أوكرانيا، والذي أثار مخاوف من غزو وشيك. وتنفي روسيا تخطيطها لشن أي هجوم. وقالت شركة ماكسار تكنولوجيز، التي مقرها الولاياتالمتحدة وترصد حشد القوات الروسية منذ أسابيع، إن الصور التي التقطت يومي الأربعاء والخميس أظهرت أعمال حشد كبيرة جديدة بعدة مواقع في شبه جزيرة القرم وغرب روسيا وروسيا البيضاء. ولم يتسن لرويترز التحقق على نحو مستقل من الصور. وقالت إن قوات ومعدات جديدة وصلت قرب نوفوزرنوي في القرم، مشيرة أيضا إلى حشد جديد قرب بلدة سالفن على الساحل الشمالي الغربي لشبه الجزيرة. وأضافت في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني في وقت متأخر مساء الخميس أن حشودا كبيرة من القوات والعتاد وصلت في الآونة الأخيرة إلى منطقة تدريب كورسك في غرب روسيا على بعد 110 كيلومترات تقريبا شرقي الحدود الأوكرانية. لا تفصح روسيا عن عدد القوات التي تنشرها وتقول إن لها الحق في تحريك قواتها في أنحاء أراضيها كما ترى، وهي تصر على أنها لا تشكل تهديدا لغيرها. دعوة لمغادرة أوكرانيا دعا الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس مواطنيه إلى مغادرة أوكرانيا فورا. وقال في مقابلة مسجلة مسبقا مع شبكة "إن بي سي نيوز" إنه يتوجب "على المواطنين الأميركيين المغادرة، عليهم المغادرة الآن". وأضاف بايدن "نحن نتعامل مع أحد أكبر الجيوش في العالم"، في إشارة إلى الجيش الروسي، مشددا على أن "هذا وضع مختلف جدا، والأمور يمكن أن تصبح جنونية بسرعة". وكرر أنه لن يرسل تحت أي ظرف قوات إلى الميدان في أوكرانيا، حتى من أجل إجلاء أميركيين في حال حصول غزو روسي للبلاد. وقال بايدن إن الأمر سيكون بمثابة "حرب عالمية عندما يبدأ الأميركيون والروس بإطلاق النار على بعضهم، نحن في عالم يختلف كثيرا" عما كان عليه سابقا. نشرت مقابلة بايدن بعد ساعات على بدء روسيا وبيلاروس مناورات عسكرية مشتركة أججت التوتر وزادت من أهمية تحقيق اختراق في الجهود الدبلوماسية التي يبذلها قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي لمنع أي غزو لأوكرانيا. وقال حلف الأطلسي إن نشر روسيا صواريخ وعتادا ثقيلا وعسكريين يمثل "لحظة خطيرة" لأوروبا بعد ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفياتي. ويجري قادة دول الغرب زيارات مكوكية إلى موسكو في مسعى لإبقاء خطوط التواصل مفتوحة ما أعطى روسيا فرصة للتعبير عن اعتراضها على توسع الحلف شرقا وفي جمهوريات سوفياتية سابقة. لكنهم أيضا يحذرون منذ أسابيع من أن روسيا تستعد للتصعيد في وضع متوتر أصلا. نبّه المستشار الألماني أولاف شولتس أن "على روسيا إلا تقلل من أهمية وحدتنا وتصميمنا بوصفنا شركاء داخل الاتحاد الأوروبي وبوصفنا حلفاء في حلف شمال الأطلسي". وفي مسعى لتجنب احتمال وقوع "حوادث غير محسوبة" خلال المناورات الروسية البيلاروسية، أجرى رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارك ميلي اتصالاً هاتفياً قلما يحدث، بنظيره البيلاروسي الجنرال فيكتور غوليفيتش. وأرسلت روسيا ست سفن حربية عبر مضيق البوسفور لمناورات بحرية في البحر الأسود وبحر أزوف المجاور. دانت كييف نشر السفن واعتبرت ذلك مسعى "غير مسبوق" لقطع أوكرانيا من البحرين. لم تكشف موسكو ولا مينسك عن عدد الجنود المشاركين في المناورات لكن الولاياتالمتحدة قالت إن قرابة 30 ألف جندي سيتوجهون إلى بيلاروس من مواقع تشمل أقصى الشرق الروسي. مخيبة شددت وزارة الدفاع الروسية على أن المناورات ستتمحور على "منع وصد عدوان خارجي" فيما تعهد الكرملين بأن يعود الجنود الروس بعد انتهاء المناورات. لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي قال إن "حشد القوات عند الحدود يمثّل وسيلة ضغط نفسي من قبل جيراننا". وأطلقت كييف تدريبات عسكرية يتوقع أن تكون ردا على المناورات الروسية، لكن المسؤولين لم يكشفوا الكثير عن تفاصيلها خشية تفاقم التوتر على ما يبدو. وتسعى روسيا للحصول على ضمانات خطية بشأن سحب حلف الأطلسي تواجده العسكري من شرق أوروبا وبعدم ضم أوكرانيا للحلف. ورفضت الولاياتالمتحدة والحلف رسميا المطالب الروسية. غير أن واشنطن طرحت فكرة أن يتوصل الجانبان لاتفاقية جديدة بشأن نزع الاسلحة في أوروبا، عرض اعتبرته موسكو غير كاف. وكانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس آخر المسؤولين الغربيين الذين توجهوا إلى موسكو الخميس. وقالت عقب لقاء مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف في موسكو "أبلغني الوزير لافروف اليوم بأن روسيا لا تخطط لغزو أوكرانيا". وأضافت في تصريحات للصحافيين "لكن هذه الأقوال يجب أن تقترن بأفعال". غير أن لافروف وصف المحادثات ب"المخيبة" وقال إن التدريبات العسكرية وانتشار الجنود على أراض روسية أثار "حذرا غير مفهوم ومشاعر قوية من نظرائنا البريطانيين وممثلين غربيين آخرين". جاءت زيارة تراس بعد أيام على قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارات مكوكية بين موسكو وكييف قبل أن يطلع شولتس على نتائج المحادثات في برلين. وسيتوجه المستشار الألماني إلى كييف وموسكو الأسبوع القادم لمحادثات منفصلة مع القادة الأوكرانيين والروس، تتضمن أول لقاء مباشر له مع بوتين. وسيخيم موقفه من خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا، على الزيارة. وتجنب شولتس في وقت سابق هذا الأسبوع في واشنطن التطرق إلى تعهد بايدن "بوضع حد" لخط الأنابيب البالغ الأهمية في حال غزت روسياأوكرانيا. وقال المستشار في وقت لاحق "قررنا عدم نشر قائمة (العقوبات) بأكملها، وأعتقد أن ذلك منطقي إذ إن بإمكاننا كسب مزيد من القوة" بفضل عدم الوضوح. وشملت المساعي الدبلوماسية المكوكية لقاء بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ. وقال ستولتنبرغ خلال مؤتمر صحافي مع جونسون إن "عديد القوات الروسية يرتفع. والوقت المتاح للإنذار من هجوم يضيق". غير أن جونسون شدد بعد لقائه بالرئيس البولندي أندري دودا، أحد أقوى حلفاء أوكرانيا في أوروبا، أن على دول الغرب أن "تبذل كل جهودها نحو مسار الدبلوماسية". غزو وشيك اعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجمعة أن روسيا تحشد المزيد من الجنود على حدودها مع أوكرانيا، محذّرًا من أن غزوًا روسيًا لكييف ممكنٌ حتى خلال الألعاب الأولمبية الشتوية الجارية. وقال "نحن في إطار قد يبدأ فيه غزو في أي وقت، ولأكون واضحًا يشمل هذا وقت الألعاب الأولمبية"، متجاهلًا تكهنات عن أن موسكو ستنتظر حتى نهاية أولمبياد بكين لتجنّب إقحام حليفتها الصين في الأزمة. وتابع بعد اجتماع مع نظرائه من تحالف "الحوار الأمني الرباعي" الأسترالي والهندي والياباني (كواد) في ملبورن "ببساطة، لا نزال نرى مؤشرات مقلقة تنذر بتصعيد روسي". وشدّد بلينكن على أن الولاياتالمتحدة "تفضّل أن تحلّ الخلافات" مع روسيا "دبلوماسيًا". وأضاف "قمنا بكلّ جهد ممكن للحوار مع روسيا". وقال أيضًا "لكن في الوقت نفسه، كنّا واضحين جدًا بشأن بناء الردع وبناء الدفاع والتوضيح لروسيا أنها إذا اختارت مسار عدوان متجدّد، ستواجه عواقب كبيرة".