للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الشاعر محمد عابس المستشار في وزارة الإعلام للحديث حول مكتبته التي يوجد بها عدد كثير من الأقسام وهي: قسم الشعراء والشاعرات السعوديين والعرب والعالميين، كذلك قسم الدراسات الأدبية والنقدية قديماً وحديثاً، وقسم الفكر والفلسفة، والعلوم واللغة، والرواية، والقصة القصيرة، والسير الذاتية، والتراجم، أيضاً قسم للعلوم الاجتماعية "تاريخ، جغرافيا، علم نفس واجتماع" وقسم للإعلام، والفنون "موسيقى وغناء، ومسرح وسينما وتشكيل"، وقسم أدب وثقافة الطفل. * في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * منذ المرحلة الابتدائية عبر مكتبة المدرسة حيث القصص العالمية وقصص الشخصيات التاريخية وكان لدعم الوالد -رحمه الله- دور لا يمكن أن أنساه، وكذلك تشجيع بعض المعلمين، والشراء المباشر من بعض المكتبات التجارية لكُتب تناسب تلك المرحلة. * هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * منذ المرحلة المتوسطة، ثم تركتها في بيت الوالد بعد نهاية المرحلة الثانوية ليستفيد إخوتي وأخواتي منها، وفي الجامعة بدأت تجهيز مكتبتي الجديدة وما زلت أطورها وأحدثها وأرتبها وأضيف إليها إلى الآن.. مكتبتي حنون كأم، معطية كأب، غالية كالأبناء، أثيرة كالمال، وفية كصديق، مُلهمة كحسناء، معشوقة كالأرض، مختلفة كالفصول، مفرحة كالمطر. * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * بالتأكيد دورها كبير جداً، سواء بالشراء أو الالتقاء المباشر بأصحاب دور النشر وكبار المؤلفين، أو ترشيح الأصدقاء والمهتمين ونصحهم بشراء عناوين معينة. حضرتُ بعضها في القاهرة وتونس والجزائر والشارقة وفينا، أما معرضا الرياضوجدة فبشكل سنوي، كما زرت بعض المعارض التي كانت تُقام في الجامعات وبعض المناطق، والنيّة موجودة لحضور معارض أخرى حسب ظروف العمل، ولا أنسى دور بعض المكتبات الشهيرة في المملكة، وفي بعض الدول العربية. * ماذا عن عملك، وعلاقته بالكتاب؟ * تنوع العمل له دور مميز في التحفيز، ولكنه ليس الدور الأكبر إلا فيما يخص الكُتب التي تتعلق بالإعلام وفروعه. خلال عملي تنقلت ما بين التعليم والصحافة والإذاعة والإعلام بفروعه الأخرى والثقافة بشكل عام، وتلك المجالات دفعتني لقراءة وشراء بعض العناوين، لكن حبي للكتاب -كشاعر اعتنق الشعر مبكراً- هو المحرض الأكبر، إلى جانب اهتماماتي الأخرى غير الوظيفية مثل كتابة المقالة والسيناريو، والتواصل مع الفنون المختلفة من مسرح وغناء وتشكيل ودراما وسينما، والاهتمام بفروع الأنثروبولوجيا من أساطير وفلكلور وعادات وتراث شعبي. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * معظم الكُتب كانت حبيسة الكراتين لسنوات أقرأ منها وأعيدها، وبعضها كان في دولابين فقط، إلى أن جهزت المكتبة بشكلها الحالي على مراحل لأسباب مادية، ثم قمت تدريجياً بتصنيفها وفهرستها لتسهيل عملية الرجوع إليها، ومعرفة ما تحتاج المكتبة إليه من كُتب في بعض فروع المعرفة، ومن الحالات التي أحزنتني تعرّض بعض الكُتب للتلف بسبب التخزين والتنقل من منزل إلى آخر. * حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * بدأ الاهتمام بكُتب التراث المختلفة وأمهات الكُتب الأدبية مثل الأغاني والعقد الفريد ومؤلفات الجاحظ وابن المقفع وأدب الكاتب وجواهر الأدب، والكُتب النقدية الشهيرة قديماً منذ بداية التدوين، والكُتب المتميزة في علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة واللهجات والمعاجم، وكُتب السير والتراجم، والتاريخ والدواوين الشعرية القديمة والحديثة، والاختيارات مثل كُتب الحماسة، وبعض إصدارات سلسلة الكتاب السعودي التي كانت تصدرها تهامة، إلى جانب الكُتب التي كانت تقدم لي كجوائز أيام المرحلتين المتوسطة والثانوية، والتي كانت مقررات ومراجع دراسية. * هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * المخطوطات مُهمة جداً ولها عشاقها والمهتمون بها، ولكني أرى أن ذلك مسؤولية المكتبات والمؤسسات الكبرى لخدمتها وحفظها والحفاظ على سلامتها وترميمها، وهنا لابد من الإشادة بجهود بعض المكتبات الجامعية الكبرى، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة، ومؤسسة الملك فيصل، ودارة الملك عبدالعزيز وغيرها. * ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * لست من هواة جمع تلك الكُتب، وإن كان بعضها موجوداً، مثل تاريخ دمشق الكبير والشعر والشعراء وطبقات فحول الشعراء إلى جانب الطبعات الجديدة منها، وخف اهتمامي بها بسبب الرجوع إليها عن طريق المكتبات الموجودة في الإنترنت، أحياناً أحصل على بعضها من مواقع الكتاب المستعمل. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * نعم، لديّ بعض أعداد المجلات المهمة من مصر والعراق والكويت والسعودية، مثل إبداع والعربي وأدب ونقد والتوباد والهلال وروز اليوسف، وبعض المجلات والدوريات التي تصدرها الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية والعلمية والبحثية. * ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبك؟ * هناك بعض الكُتب المُهتمة بجمع الطرائف قديماً وحديثاً، مثل موسوعة الأدب الضاحك. * هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير النفاسة؟ * بالنسبة لي أهتم بإصدارات الشعر والإبداع عموماً، والكُتب الفكرية والفلسفية، وعلوم اللغة القديمة والحديثة، والاتجاهات النقدية المعاصرة في العالم. * ما أطرف المواقف التي حصلت لك أثناء البحث عن الكُتب؟ * ليست طريفة ولكنها في السابق كانت مُعاناة، ولديّ جزء كبير منها عبارة عن مصورات للكُتب التي لم نكن نستطيع الحصول على نسخها الأصلية لأسباب مختلفة، ولكن أحياناً تكون الطرافة في شراء كُتب لديّ نسخة سابقة منها عن طريق ناشر آخر، فأقوم بإهدائها لبعض المكتبات الخاصة وأندية الكُتب والمقاهي الثقافية والمعارض الخيرية. * ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها بما أنك مُهتم بالكُتب؟ * كما أسلفت بالدرجة الأولى الشعر والفنون الأخرى وعلوم اللغة والنقد وكتب الدراسات الأدبية والفكرية والفلسفية والأنثروبولوجيا والأديان إلى جانب الفروع الأخرى ثانوياً. أحياناً أقوم بالقراءة العشوائية، وفي أحيان أخرى أقرأ بعض الكُتب كمراجع لدراسة أو عمل أقوم به، أو للاطلاع على تجربة جديدة لمؤلف أو إصدار أول لبعض المؤلفين، أو للرجوع لها للتأكد من بعض المعلومات، أو للرد على بعض التساؤلات التي تصلني من بعض الأصدقاء والقراء، وفي بعض الحالات أقرأ كتاباً ما لإبداء الرأي حوله بناء على طلب سابق. * هل ساعدتك مكتبتك الخاصة على التأليف؟ * بالتأكيد، لها دور فاعل ولاسيما أنني أكتب المقالة وأكتب سيناريوهات البرامج والأفلام الوثائقية والعمل الصحفي لسنوات طويلة، إلى جانب قراءة الإبداعات العالمية المختلفة ومتابعة التجارب المُهمة في الشعر والأدب.. المكتبة بالنسبة لي ملجأ آمن، كلما ضاقت بي الدنيا، أو تكالبت عليّ ظروف الحياة، وسعادة غامرة. * كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن؟ ومتى صدر لك أول كتاب وما هو؟ * خمسة كُتب، البكر كان ديوان "الجمر ومفارش الروح" ثم كتاب "فاكهة المرأة وخبز الرجل" وبعد أكثر من عشر سنوات أصدرت ديواني الثاني "ثلاثية اللذة والموت" ثم ديوان "أكثر من ذاكرة" وأخيراً "نصوص العزلة" وفي الطريق ديوان جديد قيد إجراءات الطباعة. وللتاريخ أقول إن عملي في وسائل الإعلام والثقافة أخّر إصدار بعض أعمالي، ولعل الأيام القادمة تمنحني الفرصة والوقت للانتهاء من التجارب المؤجلة. * هل تستفيد أسرتك من مكتبتك في إعداد بحوثهم؟ * بالتأكيد، المكتبة متاحة لهم، وفي بعض المناسبات أهدي لهم الكُتب التي تناسب اهتماماتهم، ومنهم من بدأ يجهز مكتبته الخاصة، وأحياناً يكون اللقاء معهم فيها. * ماذا تُفضل المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * كلاهما رافد كبير ومُهم وإن كان المستقبل للرقمنة، ولكنني أفضّل الورقية كعلاقة عاطفية ونفسية مع الورق والأحبار ومرافقة الكتاب الدائم في مختلف الأوقات والمواقع، الكُتب الرقمية سهّلت عملية الوصول والتواصل وخدمت الباحثين والدارسين، وخفضت التكاليف المادية عليهم لوجود مكتبات كاملة محمولة على الإنترنت. * هل مكتبتك متخصصة أو متنوّعة؟ * كلاهما، فالأكثرية للكتب الأدبية والإبداعية إلى جانب أركان خاصة للعلوم والفنون المختلفة. بالنسبة لي الكاتب والكتاب والكتابة مثلث الحياة الأجمل، حيث تتقاطع مع الذوات والأشياء باختلاف الأزمنة والأماكن. * ما القراءة بنظرك؟ * القراءة إبحار في العالم والكون، ورحلة إلى عقول وعواطف وتجارب المبدعين والمفكرين والفلاسفة والمؤرخين والعلماء والفنانين.. القراءة تنزّه في بساتين المعرفة وحقول الجمال الإنساني.. القراءة حكايات عشق وعلائق مودة وبراكين أسئلة وزلازل تغيير ومناجم تواصل حضاري.. القراءة هي ماذا تقرأ، ولمن تقرأ، وليس كم تقرأ؟.. القراءة غذاء صالح، ومناسب لمختلف الأعمار مهما اختلفت ظروف الزمان والمكان.. القراءة ارتقاء بالنفس والسلوك والحياة وملمح حضاري. * ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة به؟ * مكتبتك هي روحك وتاريخك وعلاقاتك وإنسانيتك، مكتبتك هي عالمك الصغير وثمرات اختياراتك. وإذا لم يكن من أبنائك من يهتم بها فعليك إهداؤها لمن يستحقها من مكتبات ومراكز وجمعيات تهتم بالكتاب بعد وفاتك.. مكتبتك تضفي على المنزل روعة وجمالاً وحضوراً مُلهماً وروعة تتنفس عبيرها دون منغصات، وليست مجرد إضافة لديكور المنزل.. كل شيء ينتهي سواء الوظيفة أو التجارة أو أي عمل آخر، ولا يبقى إلا ما كتبت وقرأت وأبقيت لمن بعدك. * لاحظت وجود أشياء مختلفة غير الكُتب في مكتبتك، ماذا عنها؟ * صحيح هناك شهادات ودروع التكريم، وبعض الهدايا والاكسسوارات والتحف والمجسمات التذكارية للدول التي زرتها، وبعض اللوحات وتجهيزات الأثاث لتوفير الأجواء المريحة من الناحية البصرية والفنية نفسياً وجسدياً، إلى جانب مكتبي الخاص وحاسوبي.. كما يوجد فيها مكتبة صوتية ومرئية مصغرة لبرامج إذاعية وتلفزيونية وأفلام وموسيقى وتجارب غنائية من دول مختلفة عربياً وعالمياً وارشيف خاص للصور. * كلمة أخيرة؟ * أحب أن أشكر صحيفة "الرياض" ممثلة في صفحاتها الثقافية التي تابعتها منذ الدراسة في التعليم العام، وملحقها الثقافي الذي شكل أحد أهم روافد الأدب والثقافة محلياً وعربياً منذ عقود، والشكر موصول لك وللقراء الكرام. كتاب «جواهر الأدب» مجلة «قوافل» كتاب «طبقات فحول الشعراء» ديوان «عمر أبو ريشة» العام 1988م كتاب «مصادر الشعر الجاهلي» العام 1956م المجلة العلمية «المصور» العام 2005م ديوان «سعدي يوسف» «الموسوعة الموسيقية الشاملة» العام 1994م كتاب «البخلاء» العام 1988 معجم «الشعراء الجاهليين والمخضرمين» العام 1983م رواية «وكالة عطية» العام 1992م ديوان «حميد سعيد» العام 1984م مجلة «المنهل» العام 1990م مجلة الأدب والفن «إبداع» العام 1990 مجلة «الرافد» العام 1997م