في ظل معاناة الجاني مع اضطراباته، هوسه الاكتئابي وإدمانه، هل لا يزال تحت طائلة المسؤولية الجنائية؟ جراء جرائم بشعة أقدم عليها مرتكبوها قد يتذرع منهم بالمرض النفسي كوسيلة دفاعية للتهرب من المسؤولية القانونية، ومؤخرًا في بعض الدول أصبحت هناك ظاهرة تقديم التقارير الطبية بحجة إصابة المجرم بمرض نفسي، فهل ذلك مبرر لانتفاء المسؤولية الجنائية عن المريض النفسي؟ الأصل في المسؤولية الجنائية حسب القوانين السعودية، كما تطرق لها الأستاذ عبدالله العنزي في بحثة: (موانع المسؤولية الجنائية) هي الإقدام على فعل محرّم شرعًا ومجرّم نظامًا يأتيه الإنسان وهو متعمد، مختار ومدرك لما يفعله، من خلال ذلك يتبين أن المسؤولية الجنائية هي الحد الفاصل في تطبيق العقوبة، فهي التي تجيز محاسبة الشخص نتيجة ما صدر منه من سلوك إجرامي وتسوغ العقوبة في حالة إدانته. ولكن قد لا يملك الإنسان أهلية للمؤاخذة أمام ما يصدر منه من سلوك غير سوي لتحمل مسؤولياته ولذلك ينظر في الكثير من الاعتبارات قبل تطبيق أي عقوبة في حق المتهم، تبعًا لذلك ينشأ السؤال التالي ذكره: متى يعفى المريض النفسي من أي عقوبة تترتب نتيجة إقدامه على فعل مجرم قانونًا؟ أولاً تتفاوت درجة المرض النفسي من مريض إلى آخر، ويتحدد من خلال هذا التفاوت مقدار العقوبة المقررة للجاني وجواز تطبيق العقوبة من عدمها، ولمعرفة مدى صحة الأخذ بالمبرر النفسي كسبب لانتفاء المسؤولية الجنائية يجدر بنا التفريق بين المرض العقلي والمرض النفسي. والفرق هو كما وصفه الدكتور محمد سامح، يكون مجموعة واسعة من الاضطرابات التي تؤثر على أفكار الشخص ومشاعره وتصرفاته مع الأخرين، أما الثاني فهو خلل في الصحة النفسية أو العاطفية لشخص ما حسب موقع DDCounsel وبالرجوع إلى شروط قيام المسؤولية الجنائية فهناك شرطان، الأول وهو الإدراك أي أن يكون الجاني مدركا لما هو قائم به، والثاني الإرادة أو الاختيار بمعنى أن لا يكون مكره أو مجبر4 المرض العقلي مثل الجنون يستحيل تطبيق العقوبة وذلك لانتفاء شروط المسؤولية الجنائية ولكن ذلك لا يعني أن يمارس حياته بشكل طبيعي مثلما كانت قبل ارتكابه للجريمة، بل يودع في مصحة للعلاج العقلي لحماية المجتمع وحمايته من اقتراف جرائم أخرى. ذلك بالنسبة للمرض العقلي، أما بالحديث عن المرض النفسي فهناك فارق كبير كما ذكرت سابقًا؛ ولأنه مختلف في درجاته فهذا الاختلاف يعد هو الفاصل بين تطبيق العقوبة من عدمها. فلنفترض في حالة ارتكاب الجاني لجريمة قتل بررها بمعاناته مع المرض النفسي لن تنتفي المسؤولية عنه إذا لم يثبت أن ذلك المرض النفسي أفقده وظائفه العقلية بشكل كامل، وستتم معاقبته عن الجرائم التي ارتكبها، والعكس صحيح ويؤخذ على أفعاله.