في ظل معاناة الجاني مع اضطراباته، هوسه الاكتئابي وإدمانه، هل لا يزال تحت طائلة المسؤولية الجنائية؟ جراء جرائم بشعة أقدم عليها مرتكبوها قد يتذرع منهم بالمرض النفسي كوسيلة دفاعية للتهرب من المسؤولية القانونية، ومؤخرًا في بعض الدول أصبحت هناك ظاهرة تقديم التقارير الطبية بحجة إصابة المجرم بمرض نفسي، فهل ذلك مبرر لانتفاء المسؤولية الجنائية عن المريض النفسي؟ الأصل في المسؤولية الجنائية حسب القوانين السعودية، هي الإقدام على فعل محرّم شرعًا ومجرّم نظامًا يأتيه الإنسان وهو متعمد، مختار ومدرك لما يفعله، من خلال ذلك يتبين أن المسؤولية الجنائية هي الحد الفاصل في تطبيق العقوبة، فهي التي تجيز محاسبة الشخص نتيجة ما صدر منه من سلوك إجرامي وتسوغ العقوبة في حالة إدانته. ولكن قد لا يملك الإنسان أهلية للمؤاخذة أمام ما يصدر منه من سلوك غير سوي لتحمل مسؤولياته ولذلك ينظر في الكثير من الاعتبارات قبل تطبيق أي عقوبة في حق المتهم، تبعًا لذلك ينشأ السؤال التالي ذكره: هل كل مريض نفسي معفى من أي عقوبة تترتب نتيجة إقدامه على فعل مجرم قانونًا؟ أولاً تتفاوت درجة المرض النفسي من مريض إلى آخر، ويتحدد من خلال هذا التفاوت مقدار العقوبة المقررة للجاني وجواز تطبيق العقوبة من عدمها، ولمعرفة مدى صحة الأخذ بالمبرر النفسي كسبب لانتفاء المسؤولية الجنائية يجدر بنا التفريق بين المرض العقلي والمرض النفسي. الأول يكون نتيجة لخلل عضوي يصيب الأجهزة أو الأعضاء، أما الثاني يعد اضطرابا بالسلوك ويكون ناشئا من عوامل نفسية تختلف درجتها من حالة إلى أخرى ولكن لا يفقد فيها الشخص عقله بشكل كامل. وبالرجوع إلى شروط قيام المسؤولية الجنائية فهناك شرطان، الأول وهو الإدراك أي أن يكون الجاني مدركا لما هو قائم به، والثاني الإرادة أو الاختيار بمعنى أن لا يكون مكره أو مجبر. فعند المرض العقلي مثل الجنون يستحيل تطبيق العقوبة وذلك لانتفاء شروط المسؤولية الجنائية ولكن ذلك لا يعني أن يمارس حياته بشكل طبيعي مثلما كانت قبل ارتكابه للجريمة، بل يودع في مصحة للعلاج العقلي لحماية المجتمع وحمايته من اقتراف جرائم أخرى. ذلك بالنسبة للمرض العقلي، أما بالحديث عن المرض النفسي فهناك فارق كبير كما ذكرت سابقًا؛ ولأنه مختلف في درجاته فهذا الاختلاف يعد هو الفاصل بين تطبيق العقوبة من عدمها. فلنفترض في حالة ارتكاب الجاني لجريمة قتل بررها بمعاناته مع المرض النفسي لن تنتفي المسؤولية عنه إذا لم يثبت أن ذلك المرض النفسي أفقده عقله وإدراكه وستتم معاقبته عن الجرائم التي ارتكبها، والعكس صحيح ويؤخذ على أفعاله.