لا شك أن الحوار البيتي يعد وسيلة ناجحة للتواصل والتعبير والتقارب والتنفيس الفكري والعاطفي والثقافي داخل البناء الأسري، وبدون هذه اللغة الحضارية ستتعرض الحياة الزوجية لمشكلات وتقلبات في المشاعر والأحاسيس الانسانية بسبب الجفاف العاطفي والتصحر الوجداني، والورم النفسي. ولعل من أكبر المشاكل في الحياة الزوجية المعاصرة التي ظهرت على السطح الاجتماعي ما يسمى بالخرس العاطفي، أو الطلاق الصامت في الحياة الأسرية، والذي يعني في مفهومه حسب معطيات علم الاجتماع العائلي بأنه حالة من انعدام الحب والتعاطف يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض رغم وجودهما في منزل واحد ويعيشان في انعزال عاطفي وانفصام وجداني تام أي لكل منهما عالمه الاغترابي الخاص البعيد عن الطرف الآخر بسبب الفتور العاطفي بين الازواج. ولا مناص أن هذه القضية الاجتماعية الخطيرة اتسعت دائرتها المظلمة مع التحولات الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية والتحديات الثقافية الرهيبة التي يشهدها مجتمعنا السعودي في واقعه المعاصر كأي مجتمع من المجتمعات البشرية التي تشهد تغيراً اجتماعياً ثقافياً، وبالتالي ألقت بثقلها على واقع البناء الأسري، ولقد أفرزت هذه التراكمات السلبية ما يسمى بالخرس العاطفي أو البخل الوجداني داخل الكيان الأسري، فنجد أن رياح هذه القضية المجتمعية سببت تّغير في واقع الأبنية الأسرية. فبعض مظاهر الحياة الزوجية نجد أنها من الخارج تتصف بالحياة المتكاملة! ومن الداخل نجد فراغا شبه كاملا بين الزوجين لا يجمعهما إلا أحاديث عن مشاكل الأبناء وطلبات البيت فقط. وأصبح بالتالي الزوج يعيش في جزيرة منفصلة والزوجة في جزيرة أخرى. لا تجمعهما أية مشاعر عاطفية ولا روح المودة رغم أنهما يعيشان في بيت وتحت سقف واحد.. !! ولكن حمّى البخل العاطفي أو الطلاق الصامت التي تشهدها بعض البيوت. شوهت الروابط الأسرية وانعدام مقومات الحياة الزوجية، فأصبحت بعض الأسر كياناً مفككاً ومنهاراً وجدانياً وعاطفياً ونفسياً. بسبب فتور مزمن أو مؤقت للعلاقة بين الزوجين. وبالتالي قد يحرم الأبناء من أهم أسس التنشئة الاجتماعية الصحيحة والأكيد هذه القضية المجتمعية الخفية لها أسباب متعددة قد تكون اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو صحية أو بسبب التباين الفكري والثقافي والتعليمي بين الزوجين. وهكذا تعدد الأسباب والعوامل وتبقى ظاهرة البخل العاطفي أو الطلاق الوجداني أخطر من الطلاق الطبيعي الشرعي. ففي إحدى الدارسات الاجتماعية عن الخرس العاطفي أشارت معطياتها ونتائجها أن 79 % من حالات الانفصال تعود إلى غياب الحوار الأسري. والحوار أساس الاستقرار الوجداني والنفسي والأسري والاجتماعي. إن الحياة التي لا تقوم على لغة الحوار والتفاهم والمودة والرحمة والمشاعر المتبادلة، حياة عقيمة وسقيمة وكئيبة قابله للتصدع الوجداني، وانعدام الاستقرار الأسري. ولذلك من الاهمية بمكان أن تتصدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية لهذه القضية الصامته. قبل أن تستفحل خاصة المؤسسات الدينية والمؤسسات الاعلامية والثقافية والتعليمية التي لها دور بارز وحراك فاعل في ورفع سقف الوعي الاسري والمجتمعي وتنوير المجتمع بخطورة كل مايهدد البناء الاسري واستقراره. مع إخضاعها لمزيد من الدراسات الاجتماعية العلمية والأبحاث النفسية الرصينة التي تساهم في تشريح وتحليل وكشف عمق المشكلة، وبالتالي إيجاد الحلول العلمية الممكنة للحد من انتشار فيروسات هذا المرض الاجتماعي وضبط توازنه داخل البناء الأسري. وأخيراً ينبغي أن نتذكر أن تنمية الأسرة هي أساس لنجاح مرتكزات رؤية مملكتنا الغالية الطموحة (2030 ). * باحث متخصص