فتحت استقالة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك من منصبه الأحد الماضي باب التكهنات بشأن مصير السودان على مصراعيه، وسط تحذيرات من أن سيناريو انزلاق البلاد نحو العنف والفوضى يبدو الأرجح. ويرى فريق من المراقبين أن خروج حمدوك من المشهد في هذا التوقيت كان بمثابة شهادة وفاة رسمية لأي فرصة للتوصل إلى صيغة تفاهم بين القوى السياسية والمكون العسكري. ويستند هؤلاء في وجهة نظرهم إلى التظاهرات التي باتت تشكل ملمحا أساسيا في الشارع السوداني، التي أصابت مظاهر الحياة بالشلل مع دعوات لا تنتهي للاحتشاد في الميادين على الرغم من سقوط عشرات القتلى منذ قرارات رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان في أكتوبر الماضي، التي كان من بينها إقالة حمدوك قبل أن يعود إلى منصبه مجددا إثر ضغوط دولية. كما ترفض القوى المحركة للشارع والداعية إلى الانتقال إلى حكم مدني كامل الشراكة مع المكون العسكري وتعتبر أن الاتفاق السياسي بينه وبين حمدوك بات هو والعدم سواء بعد استقالة الأخير. وفي ظل مخاوف من دخول البلاد نفقا مظلما، دعت أطراف سودانية إلى عقد حوار بين مكونات الانتقال بغرض التوصل إلى اتفاق. وحاول حمدوك منذ توقيعه اتفاقا سياسيا مع البرهان في 21 نوفمبر الماضي، استقطاب دعم القوى السياسية لهذا الاتفاق، لكن محاولاته باءت بالفشل، بل واتهم من بعض تلك القوى ب "خيانة دماء الشهداء". وأكدت حركة العدل والمساواة من جانبها، أن "مسؤولية القوى السياسية اليوم وحاجتها إلى الوقوف مع النفس ومراجعة المواقف أكبر من أي وقت مضى". على الجانب الآخر، ترى قوى إعلان الحرية والتغيير في استقالة حمدوك دليلا على "فشل مناورات تبرير الانقلاب". وتدعم الحرية والتغيير احتجاجات تنظمها لجان المقاومة التي تقول إنها "تعمل على إسقاط الانقلاب بالوسائل السلمية وتأسيس سلطة مدنية". ويرى محللون أن الجيش يصر على عدم الخروج من المشهد على الرغم من تصريحات البرهان وتعهداته بإتمام عملية الانتقال السياسي، وحديثه عن ضرورة استكمال هياكل الفترة الانتقالية والإسراع بتعيين رئيس وزراء جديد خلفا لحمدوك. وترى د. تماضر الطيب، أستاذة العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدبلوماسية بجامعة الخرطوم، أنه بعد استقالة حمدوك، زاد الشارع إصرارا على ضرورة الحكم المدني الكامل، مشيرة إلى أن الاستقالة جاءت "عندما شعر (حمدوك) بعدم قدرته على تشكيل حكومة نتيجة لعدم التوافق السياسي مع المكون العسكري". وتعتبر تماضر الطيب أن "مسألة اللجوء لانتخابات مبكرة لن تنجح في السودان لأن الشارع لن يهدأ وسيكون هناك شد وجذب بين الشارع والمؤسسة العسكرية". وشددت على ضرورة وجود حوار حقيقي مع "قوى الثورة الحية" للانتقال لحكم مدني ديموقراطي "لأن الانتخابات المبكرة في السودان لن تنجح لأنه يعاني من حروب وانقسمات، وبه سبع حركات مسلحة والجيش والدعم السريع بخلاف الأزمات الأخرى". وفي ضوء التطورات المتسارعة على الساحة السودانية ووسط تقارير عن اتجاه الجيش لتعيين رئيس وزراء، جاء تحذير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للجيش السوداني من الانفراد بتشكيل الحكومة الجديدة. وأصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج بيانا مشتركا ومباشرا بطريقة غير معتادة شددوا فيه على أنهم "لن يدعموا أي رئيس وزراء أو حكومة يتم تعيينها دون انخراط واسع من المدنيين"، ولفتوا إلى أن الدعم الاقتصادي للسودان يتوقف على هذا أيضا. وأضافوا: "نتطلع إلى العمل مع حكومة وبرلمان انتقالي، يتمتعان بالمصداقية لدى الشعب السوداني، ويمكنهما قيادة البلاد لانتخابات حرة ونزيهة باعتبار أنها أولوية". وفي غضون ذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى "حوار جاد" بن جميع الأطراف السودانية للوصول إلى "حل سلمي شامل ودائم"، حسبما جاء على لسان المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية ستيفان دوجاريك. من ناحية أخرى، أفاد تقرير إخباري بأن محادثات عسكرية سودانية إثيوبية جرت الأربعاء، إلا أنها أخفقت في التوصل إلى تفاهمات بشأن فتح معبر حدودي بين البلدين، بينما جددت أديس اتهاماتها للخرطوم بتدريب مقاتلين من قومية التيغراي. وكشفت مصادر مطلعة بالجيش السوداني، لموقع "سودان تريبيون" أن الوفد العسكري السوداني الذي عقد مباحثات مع الجانب الإثيوبي تمسك بإغلاق المعبر الحدودي الرابط بين البلدين في منطقتي القلابات والمتمة. وأغلق هذا الطريق الحيوي في يوليو من العام الماضي بعد مقتل قائد منطقة القلابات العسكرية على يد قوات إثيوبية داخل الأراضي السودانية. وبحث الاجتماع، الذي عقد بمدينة المتمة الإثيوبية، فتح المعبر الرابط بين البلدين وقضايا الحدود والمعارضة والعملاء بين البلدين. وبحسب المصادر فإن الجانب الإثيوبي كرر اتهام السودان بتدريب قوات التيغراي داخل معسكرات اللاجئين، وقال إن قوات عسكرية منهم تتواجد في المعسكرات. لكن الوفد السوداني رفض تلك المزاعم وأكد أن وجود التيغراي هو تحت لافتة اللجوء والفرار من الحرب وبرعاية الأممالمتحدة والمنظمات الدولية. وخلص الاجتماع المشترك الذي امتد لأكثر من ست ساعات إلى الاتفاق على نشر قوات وأطواف مشتركة لحفظ الأمن والحد من السرقات وإبعاد معسكرات اللاجئين عن الحدود وتبادل المعلومات. وأحال الطرفان قضايا الأراضي الحدودية للجهات العليا والسيادية في البلدين.