تخيل مؤسسة بمديرين على مستوى الإدارة العليا، وموظفين بخبرات ليست طويلة على مستوى التشغيل، كيف ستتم عمليتا الإدارة والتواصل بينهما؟ بالطبع لن نتطرق إلى الوقت المهدر الذي قد يضيعه التنفيذيون في صغائر الإدارة، وتبعدهم عن مهامهم الاستراتيجية. ربما يشعر كل مستوى إداري بعجز تام عن فهم الآخر وعدم القدرة على التعامل معه، كما لو أنهم يتحدثون لغات مغايرة دون مترجم، لكن إذا أضفنا بينهما الإدارة الوسطى، اكتمل بذلك الهيكل التنظيمي، وتكاملت المستويات الإدارية الثلاثة (العليا، الوسطى، الدنيا) لتنساب التوجيهات والاتصالات بشكل صحيح. في سوق العمل، نلاحظ أن ارتفاع الطلب على المرشحين لشغل مناصب الإدارة العليا (C-Suite) في بعض المؤسسات قد فرغها من شاغلي وظائف الإدارة الوسطى (B-Suite)، ممن انتهزوا الفرص وغامروا بالقفز، منهم من نجح وأثبت نفسه، ومنهم من أخفق، فوقع في ورطة: فلا هو الذي حافظ على منصبه الرفيع، ولا هو الذي استطاع العودة إلى منصبه السابق في الإدارة الوسطى. الأخطر أن مؤسسات أخرى لجأت لسد الفراغات الحاصلة في مستوى الإدارة الوسطى من خلال الاستعانة بموظفين من الإدارة الدنيا (التشغيل) - بعضهم حديثي تخرج - كلفوا بمهام إشرافية وإدارية دون تهيئة مسبقة. النمو "الإداري" حاله كحال أي نمو، يجب أن يتم بصورة طبيعية، وفق مراحل زمنية، تضمن تطور القدرات، لا أن يتم بصورة مصطنعة، فلا توجد هرمونات سحرية يحقن بها "مدير إدارة" فتحوله في فترة وجيزة إلى "رئيس قطاع"! حتى برامج التطوير (التسريع) القيادي لا تعقد لأيام أو أسابيع بل تترواح من عام ونصف إلى عامين، تقضى بين التدريب النظري والعملي، يجهز خلالها المتدرب للمستقبل بإعادة برمجة عقليته من عقلية المدير (ذي الأفق المحدود) إلى عقلية القائد (ذي الأفق الشامل). إننا نجني على المواهب الإدارية إذا أغريناها بوثبة سريعة ومبكرة من الإدارة الوسطى إلى العليا دون مراعاة للتدرج، ونتسبب بفراغات هائلة في مؤسساتنا تتطلب وقتا لسدها وتعويض الشواغر، وفي الوقت ذاته منحنا بعض الأفراد فرصا أكبر من إمكانياتهم، ربما يستحقونها لكن ليس الآن، ربما بعد سنوات. ومن المهم أن نشير إلى أن التدرج الإداري يكفل للفرد اكتساب الخبرة بشكل طبيعي، وهذا يساعده على تعزيز ثقته بنفسه، لأنه يعلم من تجاربه المتراكمة إنه طور قدراته على اتخاذ القرارات السليمة، والتعامل مع أنماط مختلفة ومعقدة من المشكلات. كما يكفل التدرج للمؤسسة إيجاد البديل دون إرباك لمنظومتها بشكل عام، ودون إرباك لفريق التوظيف بشكل خاص، فالمناصب الإدارية لا تشغل بعشوائية، وتستغرق تقريبا ضعف المدة والجهد التي يستغرقها توظيف الكوادر التشغيلية. إذا لم نتدرج في ترقية شاغلي المناصب الوسطى، ونعدهم إعدادا متأنيا عبر برامج التطوير، فسوف نواجه مخاطر الحاجة إلى الإحلال على نطاق واسع، ولن نستبعد عندئذ أن نرى إعلانات شواغر بالجملة: "مطلوب إدارة وسطى"! * مستشار في الموارد البشرية بندر الضبعان