شهد الطلب العالمي على النفط عودة قوية في 2021 مع بدء تعافي العالم من جائحة فيروس كورونا، ومن المحتمل أن يصل حجم الاستهلاك العالمي إلى مستوى لم يبلغه من قبل في 2022، وذلك رغم جهود لتقليل استهلاك الوقود الأحفوري بهدف التخفيف من حدة التغير المناخي. فقد سجل استهلاك البنزين ووقود الديزل قفزة هذا العام مع استئناف السفر وتحسن نشاط الأعمال. وفي 2022 تقول وكالة الطاقة الدولية إن من المتوقع أن يصل استهلاك النفط الخام إلى 99.53 مليون برميل يومياً ارتفاعاً من 96.2 مليون برميل يومياً هذا العام. وسيكون هذا المستوى من الاستهلاك أقل قيد أنملة من الاستهلاك اليومي في العام 2019 الذي بلغ 99.55 مليون برميل. وسيفرض ذلك ضغوطاً على منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وعلى صناعة النفط الصخري الأميركية لتلبية الطلب وذلك بعد عام فوجئ فيه كبار المنتجين بانتعاش النشاط بما يفوق الطلب الأمر الذي أدى إلى تراجع المخزونات على مستوى العالم. وواجهت دول عديدة من أعضاء منظمة أوبك صعوبات في زيادة إنتاجها في الوقت الذي اضطرت فيه صناعة النفط الصخري الأميركية للانصياع لمطالب المستثمرين للحد من الإنفاق. فبعد أن بدأت السنة عند 52 دولاراً للبرميل صعد مزيج برنت إلى نحو 86 دولاراً للبرميل قبل أن يتراجع في نهاية السنة. ويقول متنبئون إن الأسعار ربما تستأنف مسارها الصعودي في 2022 ما لم تزد الإمدادات بما يفوق التوقعات، ويقدر الباحثون في بنك أوف أميركا أن متوسط أسعار مزيج برنت سيبلغ 85 دولاراً للبرميل في 2022 بسبب المستوى المنخفض للمخزونات ونقص القدرات الإنتاجية الاحتياطية. والعامل المجهول هو المتحور أوميكرون من فيروس كورونا، إذ أعادت دول عديدة فرض قيود على السفر من شأنها أن تضر بصناعة الطيران واستهلاك الوقود. وقال داميان كورفالين رئيس قسم أبحاث الطاقة في غولدمان ساكس "إذا كانت هذه موجة أخرى مثل الموجات التي شهدناها من قبل فسيكون تأثيرها سلبياً على النمو الاقتصادي في الربع الأول من 2022". وأضاف "لكن إذا تلا ذلك انتعاش فإن الطلب على النفط، الذي لامس لفترة وجيزة مستوياته قبل كوفيد في أوائل نوفمبر، سيصل إلى مستويات قياسية جديدة في معظم 2022"، وكان التعافي الذي شهده عام 2021 قد فاجأ الموردين فرفع التوترات بين الدول الكبرى المنتجة وأكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم، مثل: الولاياتالمتحدةوالصينوالهند. ومع ارتفاع أسعار البنزين بشدة في وقت سابق من العام دعا الرئيس الأميركي جو بايدن منظمة أوبك وحلفاءها في التكتل المعروف باسم أوبك+ لزيادة الإنتاج بعد تقييد الإمدادات على مدى شهور. غير أن دولاً أعضاء في أوبك واجهت صعوبات في زيادة الإنتاج بسبب عدم كفاية الاستثمارات، وأظهرت بيانات رويترز أن المنظمة تنتج أقل من الكميات التي كانت تستهدفها في نوفمبر تشرين الثاني. وبالمثل لم تستغل صناعة النفط الصخري الأميركية ارتفاع الأسعار مثلما حدث في السابق فأذعنت لضغوط المستثمرين للحد من الإنفاق. وبلغ متوسط الإنتاج الأميركي الكلي 11.2 مليون برميل في اليوم في 2021 بالمقارنة مع مستواه القياسي البالغ قرابة 13 مليون برميل يومياً في أواخر 2019 وذلك وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وقال كلوديو جاليمبرتي نائب رئيس ريستاد إنرجي: إن كندا والنرويج وجايانا والبرازيل ستزيد الإمدادات في العام المقبل. وتقول وكالة الطاقة الدولية إن من المتوقع أن يبلغ متوسط الإنتاج النفطي الأميركي 11.9 مليون برميل يومياً في 2022. وتتزايد الإصابات بفيروس كورونا بفعل المتحور أوميكرون شديد العدوى وربما يؤدي انتشاره أكثر من ذلك إلى إبطاء التعافي لدى قوى اقتصادية كبرى. وقد خفضت وكالة الطاقة الدولية وغيرها التوقعات قليلاً فقلصت الوكالة توقعاتها لعامي 2021 و2022 بمقدار 100 ألف برميل يومياً في المتوسط لتأخذ في الاعتبار تراجع حركة السفر الجوي. وقال فرايدون فيشاراكي رئيس شركة إف.جي.إي الاستشارية "عدم تطعيم خمسة في المئة فقط من السكان يمكن أن يخلق أزمة. ففكرة إمكان الوصول بالتطعيم إلى 70 أو 80 أو 90 في المئة لتصبح في أمان أصبحت موضع شك". غير أنه لا توجد أدلة تذكر على أن أوميكرون كان له تأثير كبير على الطلب. فقد انخفضت مخزونات الوقود في مركز أمستردام-روتردام-أنتويرب الذي يعد محوراً رئيساً للنفط والغاز في أوروبا في معظم الأسبوع الأخير في مؤشر على تحسن الاستهلاك، وأظهرت بيانات وحدة فيول ووتش بشركة آر.ايه.سي لخدمات السيارات أن أسعار الوقود بلغت أعلى مستوياتها في بريطانيا. وفي آسيا هدأ ارتفاع هوامش أرباح المصافي من إنتاج البنزين في الأسابيع الأخيرة وسط المخاوف على الطلب بفعل عوامل على رأسها أوميكرون. غير أن التوقعات العامة لعام 2022 هي استمرار التعافي وارتفاع أرباح المشتقات مثل الديزل. وقال بيتر لي كبير محللي النفط والغاز في فيتش سوليوشنز: إن من المتوقع أن تنتعش أسواق ناشئة في آسيا مثل إندونيسيا وتايلاند بقوة أكبر في 2022. وقال ريتشارد جوري العضو المنتدب بشركة جيه.بي.سي إنرجي إيشيا: إن من المتوقع أن يرتفع الطلب على البنزين بمقدار 350 ألف برميل في اليوم في 2022 في آسيا. وأضاف "أغلب هذا النمو في الطلب سيأتي من الهند وبعدها الصين. لكننا سنشهد أيضاً نمو الطلب في اليابان بمقدار 30 ألف برميل يومياً مع انحسار قيود كوفيد تدريجياً".