من تعلم القراءة تفوق على غيره من غير القراء، تقول هيلين "في عالم القراءة وخصوصاً في الأدب لا يوجد فرق بين أن أكون مبصرة أو فاقدة للسمع، فأصدقائي من الكتب يتحدثون معي دون تفرقة أو تمييز"، لذا قرأت معظم الروايات العالمية والكتب، وكتبت أكثر من 16 كتاباً. وأعطت مئات المحاضرات الملهمة ولدت "هيلين" طفلة مفعمة بالحيوية وخالية من الإعاقة، وبعد ولادتها بعام ونصف العام أصيبت بحمى شديدة أفقدتها حاستي "البصر والسمع" فنشأت عمياء وفاقدة للسمع منذ عامها الأول، واستسلم الأبوان لمشيئة الله، وعاشت سنينها الأولى لا تعرف سوى القليل من حاجاتها الفطرية، مع نوبات غضب عارمة وبكاء مستمر إلى أن سخر الله لها معلمتها (آن سوليفان). بدأت هذه المعلمة الشابة تقترب منها، وانتقلت إلى بيت عائلتها وبدأت بتعليمها. بدأت بعمل ممنهج وصبر منقطع النظير، ابتكرت طرقاً جديدةً للتفاهم معها وتعليمها بالضغط على يدها لتوصيل الأفكار والرسائل لها. وقد أبدت هيلين ذكاء شديداً وفهمت الرسائل والتعلم بسرعة وإتقان. بدأت هيلين كيلر تتعلم الكلمات. والجغرافيا برسم خرائط على أرض الحديقة، ثم تعلمت القراءة المخصصة للمكفوفين، وتعلمت الحروف الهجائية باللمس على راحة اليد. وبعد عامين تعلمت قراءة الكتب والطباعة على الآلة الكاتبة بحروف برايل. صبرت هذه المعلمة العظيمة على صرخاتها ونوبات الغضب حتى تحولت إلى كلمات ذات معنى، وتحول الغضب إلى ثناء ومحاورة وعبقرية نادرة. أطلقوا على هيلين كيلر معجزة البشرية حيث كانت من أهم الشخصيات العالمية في القرن العشرين حيث حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم والفلسفة، وكانت معلمتها الصابرة تجلس في الفصل إلى جانبها في كل مراحل الجامعة، وتنقل لها عن طريق اللمس كل ما يقوله الأساتذة في المحاضرات. ذاع صيتها بعد حصولها على البكالوريوس من جامعة هارفرد كأول سيدة عمياء وصماء تحصل عليها، وبدأت تصل إليها الدعوات من كل أنحاء العالم لإعطاء المحاضرات، وأصبحت من أهم المطالبين بحقوق ذوي الإعاقة. ألّفت الكتب وساعدت الجمعيات المتخصصة، وتوفيت في سن السادسة والثمانين بعد حياة حافلة بالإنجاز والعطاء. وليست هيلين وحدها هي المتفوقة من هذه الفئة، بل يوجد ملايين النماذج الناجحة على مستوى العالم، ومنهم الدكتور (ستيفن هوكينج) أحد أبرز علماء الفيزياء على مستوى العالم بفضل أسرته وزوجته بشكل خاص. وقد عايشت شخصياً بعض ذوي الإعاقة المميزين، منهم ذلك الأعمى الذي يجيد السباكة والكهرباء داخل بيته، ويعرف عناوين بيوت أصحابه في الرياض أفضل من جوجل هذه الأيام، أما المثال الثاني فهو زميلنا الكفيف في مجلس الشورى الدكتور ناصر الموسى، من أنشط الأعضاء وأكثرهم تحضيراً ومداخلات قيمة. وفي رحلة هايكنج قمنا بها في محافظة الحريق استقبلنا باستراحته الأستاذ سعود عبدالله العثمان الذي أصيب بشلل في طفولته تسبب في شلّ إحدى قدميه، لكنه من أنشط من واجهنا، ليس في حركاته وتنقلاته فقط، ولكن في نشاطه المجتمعي والوظيفي، وقد حصل على المركز الأول في انتخابات المجلس البلدي وانتخب رئيساً للمجلس السابق. دروس كثيرة تستنبط من هذه النماذج وغيرها، من أهمها: أولاً. الدور المهم والذي لا غنى عنه لكل معوق يبدأ من أهل المعوق ومعلميه، فلولا حرص والدي هيلين على تعليمها لما وظفوا هذه السيدة العظيمة آن سوليفان وأفسحوا لها مكاناً في منزلهم، واليوم لا تذكر السيدة المعجزة هيلين كيلر إلا ويذكر اسم معلمتها آن سوليفان. معلمة آمنت بقدراتها وبذلت كل ما تستطيع لتعليمها. معلم ذوي الإعاقة شخص متخصص وصبور وملهم، ويحتسب الأجر من الله في عمله المضني والشاق. نجاح هيلين كيلر وتفوقها يختصر دور الأهل والمدرسة في احتواء المعوق وإبراز قدراته وتعظيمها. ثانياً. أحبت هيلين القراءة منذ صغرها، ومن تعلم القراءة تفوق على غيره من غير القراء، تقول هيلين "في عالم القراءة وخصوصاً في الأدب لا يوجد فرق بين أن أكون مبصرة أو فاقدة للسمع، فأصدقائي من الكتب يتحدثون معي دون تفرقة أو تمييز"، لذا قرأت معظم الروايات العالمية والكتب، وكتبت أكثر من 16 كتاباً. وأعطت مئات المحاضرات الملهمة. ثالثاً. ضروة الاهتمام بذوي الإعاقة، فهم ثروة وطنية وليسوا عالة أو عبئاً على المجتمع، والاهتمام بهم واجب وحقّ أصيل لهم، وفي اتفاقية الأممالمتحدة التي صدرت في عام 2002 لم يشر إلى نظام حقوق ذوي الإعاقة بأنه رعاية، لكنها كانت معنونة بظ"حقوق ذوي الإعاقة" وقد وقعت عليها معظم الدول ومنها المملكة. ومن أهم حقوقهم تعليمهم وتدريبهم على العناية بأنفسهم وقضاء حاجاتهم دون مساعدة، وتثقيف الأهل بحالاتهم وواجب تسجيلهم في المدارس المتخصصة، وعدم الشعور بالخجل أو الدونية تجاههم، بل يجب أن يعدون هبة رزقهم الله بها. أما الدولة فواجبها وبكل سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية أن تضمن لهم الوصول الشامل داخل بيوتهم وخارجها، مع متابعة تعليمهم وتدريبهم وتوظيفهم فيما بعد. ودعم الجمعيات غير الربحية لتقوم بدورها المساند. نماذج مشرقة وثروة وطنية من فئة غالية، ولو في المقال فسحة لسردت الكثير من الأمثلة.