في 4 فصول يقدم كتاب (هيلين كيلر وآن سوليفان، إرادة المتعلم وعطاء المعلم) الصادر عن دار مدارك لمؤلفيه الأستاذ الدكتور زكريا محمد هيبة، والدكتور صلاح صالح معمار، مثالين لتحدي الإعاقة وإصرارهما على صنع الفارق، وقد ألقى فيه المؤلفان نظرة عامة عن المعاقين، واضطهادهم عبر العصور، ونظرة بعض الفلاسفة إليهم بامتهان وامتعاض. كما أشار إشارة سريعة لبعض هؤلاء المعاقين الذين تحدوا إعاقاتهم؛ وتغلبوا على أقرانهم العاديين. وتناول المؤلفان حياة كل من (هيلين كيلر وآن سوليفان) كل على حدة، فهيلين أول شخص كفيف أصم يتلقى تعليمًا كاملًا حتى المرحلة الجامعية، كما أنها اعتُبرت حدثًا تعليميًا إذ ذاك. وسوليفان معلمة أسطورة؛ سبقت معظم النظريات الحديثة التي ينُادى بها اليوم، وتغلبت على كل الصعاب، كما تطرقا للممارسات الإبداعية ل(سوليفان) مع (هيلين) حيث: بهجة التعلم، التعلم بالطبيعة، البدء بتعلم أسماء الأشياء، الانتقال من البسيط للمركب ومن الحسي للمعنوي، التعلم باللعب، تربية الجمال في نفس المتعلم، انتزاع المعرفة من المتعلم، استخدام لغة الجسد، التربية بالحب، تعليم اللغة. وطرح المؤلفان فلسفة (هيلين كيلر) للحياة بكل ما فيها، وتمحورت حول: نظرتها للحواس، مدلول السعادة لديها، نظرتها للحب والوفاء، إيمانها بقيمة المعرفة، تماهيها مع الإنسانية، صعوبة الحياة، روحها المفعمة بالتفاؤل، إيمانها، دعوتها للحرية، دعوتها للإيجابية، منظورها للفن والجمال، حسها الاستشرافي، نظرتها للموت. 31 مليون معاق وتؤكد الإحصاءات أن نسبة انتشار الإعاقة في المجتمعات الإنسانية حوالي 10 % من مجموعات السكان، ونسبة الإعاقة في عالمنا العربي تصل لحوالي 31 مليون معاق حسب تقديرات 2003، وأن نسبة ما يقدم من خدمات تربوية لا يزيد عن 5% من جملة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمثل حركة «أنسنة» التربية الخاصة –الحركة الإنسانية في التربية الخاصة- تغيرا نوعيا نوعيا وملموسا وإستراتيجيا فيما يتعلق بالتعامل مع المعوقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه الحركة تمثلت في هذه الوثائق الدولية والإقليمية وما يتمخض عنهما من اتفاقات ووثائق وقوانين تضمن لهؤلاء حقوقهم، والسير بخطوات حثيثة لترجمة هذه الحقوق إلى واقع، فكانت المؤسسات المتخصصة بهذه الفئة، وافتتاح أقسام متخصصة في الجامعات المختلفة ليناط بها مهمة التعامل مع هذه الفئة. وقد أكد ميثاق رعاية المعوقين الذي صدر في الثمانينات من القرن الماضي على أهمية دمج المعوق في بيئته، وتأهيله حتى يصبح عضوا منتجا في مجتمعه، وقد نال مجال الإعاقة والمعوقين اهتماما بالغا في السنوات الأخيرة نتيجة تغيير اتجاهات المجتمعات ومعتقدات أفرادها نحو المعوقين، وأن لهم الحق -مثل الأفراد العاديين- في استثمار طاقاتهم وإمكاناتهم إلى أقصى حدّ، والتحول من كونهم يمثلون عبئًا اقتصاديًا على مجتمعاتهم إلى النظرة إليهم كجزء من الثروة البشرية، مما يحتم تنمية هذه الثروة والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن. مظهر حضاري راق يمثل الاهتمام بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مظهرًا من مظاهر تقدّم الأمم ورقيها، فتقديم الدعم والرعاية الشامل والمتكاملة لهذه الفئة؛ يمكن اعتباره معيارًا حاكمًا في تقدمه. ولما كان المعلم -أي معلم- هو الحلقة الأهم في منظومة التعليم بشكل عام، فإن هذه الأهمية تزداد اتساعًا مع هذه الفئة من الأطفال، ومن ثم فإن الاهتمام به وتسليط الضوء عليه أحد آليات الاهتمام والدعم المقدم لها. وقد بات من المسلمات أن المعلم الناجح هو صمام أمان يضمن تخريج جيل ناجح في أية مؤسسة تربوية، أو نظام تربوي، لذا.. فإن الاهتمام به لم يعد قضية اختيارية، وإنما ضرورة حتمية تقتضيها معطيات عصرنا الراهن، وسبيل لتحقيق طموحات المستقبل، ولا بد من التأكيد على أنه لم يعد من المقبول أن يقوم بالتعليم إلا من هو مؤهل لذلك، لذا لا بد من مراجعة حقيقية لنوع وتكوين من هم بمدارسنا. فتؤكد بعض الدراسات التربوية أن 60% من نجاح العملية التربوية يقع على عاتق المعلم، بينما تتوقف نسبة ال40% الباقية من النجاح على الإدارة، والمكتب، وظروف التلاميذ العائلية، وإمكانيات المؤسسة التعليمية. التعليم المدرسي ورعاية المعوقين العلاقة بين المدرس والتلميذ علاقة بين خبرة وخبرة، بين خبرة المدرس عن التلميذ، وخبرة التلميذ عن المدرس، وتنمية علاقة إيجابية منتجة بين المعلم والمتعلم يمكن أن تساعد الطلبة على الارتقاء بجهودهم في التحصيل الأكاديمي والاجتماعي في الفصل. وعلى الجانب الآخر فإن ثمة اتجاهات وسلوكيات معينة يمكنها أن تكون بلا قيمة للطلبة، كما يمكنها أن تعوق تكوين العلاقات وتسهم في إحداث الفشل. فما يمتلكه المعوق من اتجاه إيجابي نحو إعاقته يعني تقبله لها، وفهمه للنجاح وإحساسه به، وانعكاسا لرضاه عن ذاته، ورضا الآخرين عنه، مما يدفعه إلى مواصلة الدراسة لتحقيق مزيد من النجاح، وبالتالي تحسين مستوى تحصيله الدراسي والوصول به إلى مستوى متفوق. ولم تتجه أنظار المعنيين بشؤون التعليم المدرسي إلى رعاية المعوقين –وبخاصة منهم فاقدو البصر والسمع والنطق- إلا منذ منتصف القرن الماضي لعوامل إنسانية محضة، مع العلم أن فاقدي البصر والسمع والنطق يفتقرون في الأساس إلى أدوات التعليم والتعلم الأساسية، سواء أكان هذا التعليم مدرسيا، أم أنه يحصل في مجرى الحياة اليومية المعتادة (جعفر، 1982). وإذا كان من الشائع أن التدريس مهنة من لا مهنة له، -وقد يكون ذلك باعثه عدم وجود ظهير معرفي خاص بالتربويين بشكل مغلق عليهم- إلا أنه من المؤكد أن معلم ذوي الاحتياجات الخاصة يخرج من المسلمة السابقة، على اعتبار أنه لا بد أن يمتلك من المقومات والكفايات والكفاءات، والتي بدونها لا يمكن أن يقوم بدوره المنوط به. شخص ما لكسر القيود تأتي العلاقة الأكاديمية والإنسانية بين آن سوليفان وهيلين كيلر لتحمل كثيرًا من الممارسات التي يمكن أن ترتقي لتكون ذات طابع إبداعي، متسق مع الأفكار والمضامين التربوية الحديثة. لكن في الوقت نفسه لم تكن هيلين لتصل إلى ما وصلت إليه من تلقاء نفسها، ولا بد أن يكون هناك معلم ساعدها على كسر هذه القيود، وتخطي تلك الكوابح التي تمثلت في إعاقتها السمعية والبصرية، والكلامية، هذا المعلم يتمثل في شخص الآنسة «آن سوليفان». ويتساءل الكثير من الأجدر بالثناء، هيلين أم معلمتها؟ قالوا: إنه لو توفرت لهيلين معلمة أفضل عشر مرات من آن؛ لم تكن لتنجز ما أنجزته -بعد إرادة الله- لو لم تكن هيلين نفسها تملك في ذاتها مقومات الذكاء والنجاح، ولكنهم قالوا أيضًا: لو كانت هيلين أذكى عشر مرات مما هي عليه لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لولا الله الذي سخر لها معلمة مثل آن. تنمية الجمال الوجداني عمدت المعلمة سوليفان من الوهلة الأولى على أن تنمي الجمال في نفس ووجدان هيلين، وقد بدا ذلك واضحًا في انفتاحها على الطبيعة من حولها، وعدم الاعتماد على القهر أبدًا، وإنما كان الحب والحنان نابعين دائمين في تعاملها مع تلميذتها الصغيرة، وظل هذا السمت قائمًا حتى في الأوقات التي بدت فيه هيلين شرسة ومتمردة على معلمتها، لم يخرجها هذا التمرد وتلك الشراسة عن اتزانها الانفعالي وحبها وعطفها على هيلين، وربما يكون هذا هو السر الحقيقي في التواصل الفعال والكيمياء التي ربطت بينهما، الأمر الذي جعل هيلين تعبر صراحة على أنها الشخص الوحيد الذي استطاع أن ينفذ إلى أعماقها. وعندما قام الجميع بتقديم هدايا العيد لهيلين، قدم الجميع هدايا صماء أنيقة غالية الثمن، لكن سوليفان قدمت لهيلين عصفورًا من عصافير الكناريا، الذي ارتبطت به كثيرًا، وأشاع في نفسها كثيرًا من البشر والإشراق، فقد كانت تعتني به وتقدم له الطعام وتنظفه بنفسها.
هيلين الشجاعة تقول هيلين كيلر: كان كثير من الناس يؤكدون أنني كائن حي أبله، لقد كان عمري تسعة عشر شهرًا، وكنت كائنًا لم ينتقل من عالم النور إلى عالم الظلام، بل وإنما إلى عالم السكون والحزن.. كانت كلماتي القليلة قد تبددت، وكان عقلي مغلولًا في الظلام، وجسمي النامي تحكمه دوافع حيوانية، تقول هيلين: «ولم تكن الصدفة هي التي حررت عقلي من قيوده، بل إن ذلك يعود إلى مدرسة موهوبة هي» آن سوليفان. لم تكن آن سوليفان من طراز المدرسات العاديات، وإنما كانت امرأة شابة ذات حيوية ولها خيال منطلق يتلمس تحقيق أحلام كبيرة لكائن أعمى وأصم، لينقله من حياة السكون إلى الحياة الحقيقية ويجعله نافعًا وإنسانًا فريدًا». وظلت هيلين تتذكر سوليفان حتى بعد مرور عشرين عامًا على وفاتها، تتذكر لهيب أصابع سوليفان التي شبهتها بالكهرباء. وألفت كتابًا كاملًا أسمته Teacher كتبت فيه كثيرًا من العلاقات مع سوليفان، وكأن الكتاب كتب لها. وفي عام 1968 توفيت هيلين كيلر عن عمر يناهز 88 عامًا، تاركة للبشرية نموذجًا للإرادة والتحدي. ونالت جائزة نوبل في الآداب عام 1979. وفي عام 2003 م صدرت أول عملة أميركية تحمل كتابة برايل وهي من فئة ربع دولار وتكرم هيلين كيلر الرائدة الأميركية في مجال حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. وتحمل هذه العملة صورة هيلين كيلر كما تحمل الكتابة طريقة برايل. وقالت مديرة دار سك العملة الأميركية في مدينة توسكوميبيا بولاية ألاباما مسقط رأس هيلين كيلر إن هذه العملة الجديدة الجدية تكرم مواطنة أعطت للتعليم دفعة قوية بشجاعتها وقوة إرادتها.
المعلمة الأسطورية تقول آن: عرفت منذ سنوات أن أكبر مكافأة يحصل عليها المعلم هي أن يرى الطفل الذي قضى الوقت في تعليمه وقد أضحى شخصية هامة ذات ثقل في هذا العالم، وأن يصل إلى علمه، وأن إنجازه كان مصدر إلهام للعديد من المعلمين. وتقول: كم هو عظيم أن تشعر بأنك ذو فائدة في هذا العالم. إن وجودك مهم لشخص ما. إن اعتماد هيلين عليّ، تقريبًا في كل شيء، يجعلني قوية وسعيدة. وقد سُئلت هيلين عن سرّ حبها لسوليفان فقالت: إنني أدين لها بكل شيء، لأنها نقلتني من مرحلة الجمادات إلى مرحلة الأناسي. وتقول هيلين: إن العجب يملأني وأنا أفكر بفارق الظلمة والنور في حياتي قبل مجيئها وبعده، إذ الحق أقول: إن عقل معلمتي وروحها الممتازين ثم تفّهمها السريع لي وحكمتها المحبّبة هي التي جعلت أولى سنوات تعلّمي جميلة للغاية، كانت هذه المعلمة تؤمن بأن عقل الطفل يشبه جدولا صغيراً بحاجة إلى التغذية كي يتوسّع ويتحول إلى نهر عميق..إن بإمكان أي معلم أن يأخذ طفلا إلى غرفة التعليم ولكن ليس بمقدور أي معلم أن يجعله يتعلّم، فالطفل لن يقبل على التعلّم إلاّ إذا كان مسرورا، ظلت المعلمة ترافق تلميذتها (هيلين) لمدة خمس عشرة سنة ترافقها في الصف وتنقل لها المحاضرات والدروس عن طريق لمس اليدين، وكذلك الأفلام السينمائية والمسرحيات. ظلت المعلمة كذلك إلى أن وافتها المنيّة عام 1936. وقد وصفت المعلمة سوليفان بالمبدعة بما تحمله الكلمة من معنى أثناء تعاملها مع هيلين، إبداع يمكن من خلاله اعتباره نموذجًا لمعلمي الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يمكنهم على ضوئه استنباط الكثير من هذه الممارسات.