في 21 رجب 1401ه الموافق 25 مايو 1981م توصل أصحاب الجلالة والسمو قادة كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة البحرين، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت في اجتماع عقد في أبوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضاً على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس. وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية. ولم يكن القرار وليد اللحظة، بل تجسيداً مؤسسياً لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي، حيث تتميز دول مجلس التعاون بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي في مجملها عوامل تقارب عززتها الرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة، ويسرت الاتصال والتواصل بينهم وخلقت ترابطاً بين سكان هذه المنطقة وتجانساً في الهوية والقيم. واذا كان المجلس لهذه الاعتبارات استمرارا وتطويراً وتنظيماً لتفاعلات قديمة وقائمة، فإنه من زاوية أخرى يمثل رداً عملياً على تحديات الأمن والتنمية، كما يمثل استجابة لتطلعات أبناء المنطقة في العقود الأخيرة لنوع من الوحدة العربية الإقليمية، بعد أن تعذر تحقيقها على المستوى العربي الشامل. وحدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية والسياحية، والتشريعية، والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص. المملكة.. نهر خير منهمر ولم تألُ المملكة العربية السعودية أي جهد في خدمة الخليج العربي حكومات وشعوب منذ عهد المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مروراً بأبنائه البررة أجمعين وصولاً إلى ما يقدمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وذراعه الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظهما الله -. حيث كانت السند والعضد لبقية الدول، ووقفت المملكة موقف البطل مع الجميع دون استثناء في آلامها وفرحت لها في كل ما يفرحها. وكانت وما زالت تقف على مسافة واحدة مع الجميع، وسعت وبادرت ولا تزال في كل ما من شأنه رفعة وعلو الوطن والمواطن الخليجي. وعلى الرغم مما مرت به المنطقة من تحديات وصعوبات وتقلبات، إلا أنه - وبفضل الله - ثم بحنكة ملوك وأمراء وشيوخ الخليج وقفت كل الدول موقف الرجل الواحد سداً منيعاً في كل ما من شأنه أن يعكر صفو الخليج. المواطن أساس التنمية وانطلق حكام الخليج أجمعين متسلحين بدينا الإسلامي الحنيف وبعاداتنا وتقاليدنا الشامخة وبنظرة الحكيم إلى كل ما من شأنه أن يرفع ويعلي شأن المواطن الخليجي ووطنا الخليجي المجيد، فاتجهت إلى تعزيز ثقافة شعوبها واستثمرت كل طاقتها في تنمية وازدهار بلدان الخليج. وكذلك جعل المواطن الخليجي ينعم بالأمن والرخاء والعيش الكريم، دون الاكتراث للمنغصات أو المحاولات الرامية إلى إيقاف نهر الخير المنهمر. ومع كل ما يُقدم وكل ما أحرز إلا أنه وفي ظل هذه القيادات الفذة وما من الله علينا من نعم لا زلنا حكومات وشعوب نتطلع إلى مزيد من النجاحات. في ظل حكومات خليجية فذة بطموحات تعانق عنان السماء. مسيرة القمم وشهدت مسيرة القمم الخليجية منذ تأسيسها انعقاد 66 قمة خليجية، 40 اعتيادية، إضافة إلى قمة العلا السابقة، و17 قمة تشاورية. كما تم عقد أربع قمم استثنائية وثلاث قمم خليجية أميركية (اثنتان في الرياض وقمة في منتجع كامب ديفيد بأميركا)، إضافة إلى قمة خليجية مغربية بالرياض، وقمة خليجية بريطانية بالمنامة. 41 قمة اعتيادية قمة الثلاثاء هي القمة الاعتيادية ال42 منذ نشأة مجلس التعاون، حيث عقدت عشر قمم في المملكة بما فيها قمة العلا، وسبع في الكويت ومثلها في البحرين وست في الإمارات، وكذلك في قطر، أما عمان فعقد بها خمس قمم. ولعل أبرز تلك القمم هي أول قمة خليجية والتي عقدت في أبوظبي مايو 1981، بدعوة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واتفق خلالها قادة دول الخليج رسميا على إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقاموا بالتوقيع على النظام الأساسي للمجلس الذي يهدف إلى تطوير التعاون بين هذه الدول، واتفقوا على أن تكون مدينة الرياض بالسعودية مقرا دائما للمجلس. فيما عقدت ثاني قمة بالرياض في نوفمبر 1981، وتعد أسرع قمة اعتيادية في تاريخ انعقاد القمم الخليجية، إذ عقدت بعد 5 أشهر فقط من انعقاد قمة أبوظبي، وتم خلالها الموافقة على الاتفاقية الاقتصادية، بهدف إزالة الحواجز بين الدول الأعضاء وتقوية الترابط بين شعوب المنطقة. من القمم المهمة أيضا، قمة أبوظبي عام 1998، والتي تم خلالها الاتفاق على عقد لقاء تشاوري نصف سنوي لقادة دول مجلس التعاون فيما بين القمتين السابقة واللاحقة، وتم اعتماد قرارات تطوير قوة درع الجزيرة. وجاءت قمة المنامة في ديسمبر 2004 بعد نحو شهر من وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتم إطلاق اسم (قمة زايد) عليها، تقديرا لدور الفقيد الراحل في تعزيز مسيرة مجلس التعاون وإسهامه الكبير في تأسيسه، وتم خلالها الترحيب بالشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بعد توليه رئاسة الإمارات. أيضا تعد قمة الرياض 2011 من القمم المهمة في تاريخ مجلس التعاون، وشهدت ترحيب قادة دول مجلس التعاون بالاقتراح المقدم من العاهل السعودي المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ووجهوا بتشكيل هيئة متخصصة لدراسة المقترح. كما تم الاتفاق على اعتماد الهوية الشخصية كإثبات هوية لمواطني دول المجلس في القطاعين العام والخاص في جميع الدول الأعضاء، واعتماد القواعد الموحدة لإدراج الأوراق المالية في الأسواق المالية بدول المجلس. وفي 2013، شهدت قمة الكويت الموافقة على إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس، وتكليف مجلس الدفاع المشترك باتخاذ ما يلزم من إجراءات للبدء في تفعيلها. وفي قمة الرياض 2015، تم التوجيه بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتبني رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لتعزيز التكامل بين دول المجلس والعمل الجماعي المشترك، وإقرار إمكانية الاتفاق بين عدد من الدول الأعضاء على أي إجراءات تكاملية تراها. وخلال قمة الكويت 2017، أكد قادة دول الخليج أهمية عدم تغيير الوضع القانوني أو السياسي أو الدبلوماسي لمدينة القدس، وأن أي تغيير في هذا الوضع ستكون تداعياته بالغة الخطورة، وسيفضي إلى مزيد من التعقيدات على النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي ومفاوضات الحل النهائي. وخلال قمة الرياض 2018، أبدى قادة دول الخليج ارتياحهم لما تم إحرازه من تقدم في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين، لتعزيز العمل الخليجي المشترك، التي أقرها المجلس الأعلى في دورته ال36 في ديسمبر 2015. قمة الرياض 2019، عقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، فيما ترأست الإمارات الدورة الأربعين لمجلس التعاون الخليجي. وصدر عن القمة الخليجية بيان ختامي مطول من 91 بندا، تضمن رؤية دول الخليج لتعزيز العمل المشترك ومواقفها من مختلف القضايا الإقليمية والدولية. وجاءت القمة الحادية والأربعون التي أطلق عليها (قمة السلطان قابوس والشيخ صباح) وعقدت أعمالها في قاعة مرايا في محافظة العلا في يوم الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1442 ه الموافق 05 يناير 2021، بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وبرئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز؛ استكمالاً لمواصلة مسيرة الخير والتعاون وتحقيق المصالح المشتركة، وتعزيز أمن المنطقة واستقرارها. وصدر عن القمة بيان العلا الذي أكد على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي والإسلامي، وتعزيز أواصر الود والتآخي بين دول الخليج العربية وشعوبها بما يخدم آمالها وتطلعاتها. كما أكد على تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس، وتعزيز الدور الإقليمي والدولي للمجلس من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الإستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات والمنظمات الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح المشتركة. وأثبتت (قمة السلطان قابوس والشيخ صباح) ما يوليه قادة دول مجلس التعاون من حرص على تعزيز مكتسبات المجلس، وتحقيق تطلعات المواطن الخليجي، وتذليل كافة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك. واستكمالاً لهذه المسيرة الحافلة بالإنجازات والممتدة منذ عقود لمجلس التعاون، تستضيف المملكة العربية السعودية وللمرة الحادية عشرة في تاريخها، الدورة الثانية والأربعين، اليوم الثلاثاء، بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود "حفظه الله".